التحليل
لدارس كتاب الجليل
شرح مختصر الأخضري
تأليف
بشير إسحاق
مدرسة الأنوار المحمدية، دوتسنما
الطبعة الأولى ۲۰۲۱م
الجزء الأول
المقدمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلهِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الْعُلَى عَلَى الدَّوَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، إِنَّ كِتَابَ الْأَخْضَرِي كِتَابٌ أَلَّفَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّغِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَدِ اسْتَخْدَمَ الْمُؤَلِّفُ مَا رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ فِي جَمْعِ هَذَا الْكِتَابِ، حَيْثُ وَضَعَ فِيهِ عُلُومًا كَثِيرَةً، وَمِنْ ذَلِكَ مُقَدِّمَةٌ بَلِيغَةٌ جَعَلَهَا مَطْلَعَ الْكِتَابِ الَّتِي حَوَتْ مَعْلُومَاتٍ غَزِيرةٍ، يَا لَهُ مِنْ كِتَابٍ كَثِيرِ الْمَنَافِعِ.
مِنْ ذَلِكَ، تَلْخِيصُ كُلِّ مَا وَضَعَهُ الْعُلَمَاءُ عَنْ عِلْمِ التَّوْحِيدِ، حَيْثُ جَعَلَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ "أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَصْحِيحُ إِيمَانِهِ" فَقَوْلُهُ: ’تَصْحِيحُ إِيمَانِهِ‘ جَمَعَ فِيهِ كُلَّ مُصَنَّفَاتِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ الْمُكَلَّفُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ، وَمَا يَعْتَقِدُهُ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. لَوْ بَذَلَ الْعُلَمَاءُ جُهْدَهُمْ فِي تَوْضِيحِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَوَضَعُوا كِتَابًا ذَا مُجَلَّدَاتٍ كَثِيرَةٍ وَرُبَّمَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ.
وَكَذَلِكَ لَخَّصَ كُلَّ وَعْظٍ وَإِرْشَادٍ يَقُومُ بِهِ الْعُلًمَاءُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ "وَيَجَبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حُدُودِ اللهِ" فَكُلُّ مَنْ يَقُومُ فِي النَّاسِ يَعِظُهُمْ لَا تُجَاوِزُ كَلِمَتَهُ قَوْلَ هَذَا الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَقَدْ رَتَّبَ الشّْيْخُ هَذَا الْكِتَابَ عَلَى فُصُولٍ، أَوَّلُهَا فَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي النَّجَاسَةِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ فَصْلُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وسُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا، ثُمَّ فَصْلٌ فِي نُورِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ فَصْلٌ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، ثُمَّ الْأَخِيرُ وَهُوَ لِلسَّهْوِ.
فَأَرَدتُّ أَنْ أُحَلِّلَ بَعْضَ مَسَائِلَهُ تَحْلِيلاً مُوجِزًا تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، وَلِيَعْلَمَ كُلُّ دَارِسٍ لِكِتَابِ الْأَخْضَرِي مِنَ التَّلَامِيذِ فِي الْمَدَارِسِ الْإِسْلَامِيَّةِ النَّهَارِيَّةِ وَاللَّيْلِيَّةِ أَنَّهُ كِتَابٌ مَنْ عَرَفَهُ مَعْرِفَةً جَيِّدَةً وَحَفِظَ مَا فِيهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ فِي الْفِقْهِ فِيمَا لَهُ عَلَاقَةٌ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.
وَأَخِيرًا أُوصِي إِخْوَانِي الطَّلَبَةَ أَنْ لَا نُضِيعَ أَوْقَاتَنَا فِيمَا لَا يَنْفَعُنَا فِي الدَّارَيْنِ، وَبِالْإِجْتِهَادِ فِي فَهْمِ مَا صَنَّفَهُ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَتْمِ، وَكَثِيرًا مَا نُحِبُّ أَنْ نَخْتِمَ كِتَابًا وَلاَ نُبَالِي هَلْ فَهِمْنَاهُ أَمْ لَا.
ترجمة الشيخ الأخضري
هُوَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ النَّبِيهُ الْوَلِيُّ الزَّاهِدُ الْأَلْمَانِي النَّاقِدُ إِمَامٌ مُتَفَنِّنٌ وَخَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ الْوَلِيِّ الْعَارِفِ بِاللهِ تَعَالَى سَيِّدِي الصَّغِيرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَامِرٍ. الْمَالِكِي مَذْهَبًا الْأَشْعَرِي إِعْتِقَادًا الْبَنْطِيُوسِي دَارًا وَبِهَا تُوُفِّي() بِأَرْضِ الْجَزِيرَةِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ (٩٢٠هـ) وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (٩٥٣هـ) وَقَبْرُهُ الْيَوْمَ مَشْهُورٌ يُزَارُ بِـ (بَنْطِيُوسِ) وَلَهُ جُمْلَةٌ مِنَ التَّؤَالِيفِ نَظْمًا وَنَثْرًا مِنْهَا (مُخْتَصَرُ) فِي الْفِقْهِ، ذَكَرَ فِيهِ رُبْعَ الْعِبَادَاتِ، وَنَظْمُ (السِّرَاجِ) فِي عِلْمِ الْفَلَكِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةَ، وَنَظْمُ (سُلَّمِ الْمُرَوْنَقِ) فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ وَهُوَ ابْنُ ٢١ سَنَةً ، وَنَظْمُ أُرْجُوزَةٍ فِي طَرِيقِ التَّصَوُّفِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَنَظْمُ (جَوْهَرِ الْمَكْنُونِ) فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً
الهدف
وَالْهَدَفُ الرَّئِيسِي فِي جَمْعِ هَذَا الْكِتَابِ تَحْلِيلُ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ الْأَخْضَرِي ، لِيَكوُنَ سَهْلًا لَدَى الطُّلاَّبِ عِنْدَ التَّعَلُّمِ، وَيَكُونُ مُسَاعِدًا لِلْمُدَرِّسِينَ فِي الْمَدَارِسِ الْإِسْلَامِيَّةِ عِنْدَ تَعْلِيمِ التَّلَاَمِيذِ.
الإهداء
أُهْدِي أَجْرَ هَذَا الْبَحْثِ إِلَى أَرْوَاحِ آبَاءِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَعُلَمَاءِنَا فِي الْمَدَارِسِ الْأَكَادَمِيَّةِ وَالَّذِينَ تَلَمَّذْتُ عِنْدَهُمْ فِي دَهَالِيزِهِمُ الَّذِينَ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي تَعْلِيمِنَا مَا نَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ. فَجَزَاهُمُ اللهُ خَيْرَ الْجَزَاءِ.
مقدمة كتاب الأخضري
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ والْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَمَنِ اقْتَدَى بِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ
قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ) مَنْ هُوَ الْمُكَلَّفُ؟
فَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ، الْعَاقِلُ، سَلِيمُ الْحَوَاسِّ، الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ. فَالصَّبِيُّ لَا يُعَدُّ مُكَلَّفًا، وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْعَمَى وَالصَّمَمُ بِأَنْ لَا يَرَى بِعَيْنَيْهِ وَلَا يَسْمَعُ بِأُذْنَيْهِ، وَمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَانٍ لَمْ يَصِلِ الْإِسْلَامُ إِلَيْهِ. فَلَا يُسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْمَعَاصِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ يُسْأَلُ وَيُجْزَى بِمَا عَمِلَهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ.
وَقَوْلُهُ: (تَصْحِيحُ إِيمَانِهِ) كَيْفَ يُصَحِّحُ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ؟
يُصَحِّحُ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ بِالْإِعْتِقَادِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِينَ قِيلَ لِلرَّسُولِعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،"إن آلهتنا ثلاثمائة وستون صنما ولم تقض حوائجنا فكيف بواحد" (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَجَاءُوا بِكُتُبٍ أَعْظَمُهَا الْقُرْآنُ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ لِلهِ عِبَادًا خَلَقَهُمْ مِنْ نُورٍ يُسَمُّونَ بِــ (الْمَلَائِكَةِ) (لَا يَعْصُونُ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وَمَنِ اعْتَقَدَ بِأَنَّهُمْ إِنَاثٌ كَفَرَ وَمَنْ قَالَ ذُكُورٌ فَسَقَ وَمَنْ قَالَ خَنَاثَى، أَوْلَى بِالْكُفْرِ. وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا تَفْنَى وَيَبْعَثُ اللهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ، وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَيْرٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ سُوءٍ ابْتِلاَءٌ مِنَ اللهِ. وَلَا يُؤْمِنُ بِقَوْلِ سَاحِرٍ وَلَا جِنِّيٍّ لِكَذِبِهِمْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَاٍل مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) أَيْ إِثْمًا وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جُرْأَةً
وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا يُصْلِحُ بِهِ فَرْضَ عَيْنِهِ) مَاُ هُوَ الْفَرْضُ وَالْفَرْضُ الْعَيْنِ؟
الْفَرْضُ/الْوَاجِبُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ طَلَبًا حَتْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ.
وَقَدْ قَسَّمَهُ الْأُصُولِيُّونَمِنْ جِهَةِ الْمَطَالِبِ لِأَدَائِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: (١) ـ الْوَاجِبُ الْعَيْنِي (٢) ـ الْوَاجِبُ الْكِفَائِي.
فَالْوَاجِبُ الْعَيْنِي هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا يُجْزِئُ قِيَامُ مُكَلَّفٍ دُونَ آخَرَ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَاجْتِنَابِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ.
فَبِسَبَبِ كَوْنِهَا وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَهَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِوَالْمُبْطِلَاتِ وَالْكَيْفِيَّةِ. هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا يُصْلِحُ بِهِ فَرْضَ عَيْنِهِ) فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ بِقَوْلِهِ: (كَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ).
و الْوَاجِبُ الْكِفَائِي هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ لَا مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ الْإِثْمُ وَالْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْقَضَاءِ وَالطِّبِّ وَبِنَاءِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَيَقِفَ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ)
فَإِذَا صَحَّحَ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ وَشَرَعَ فِي تَعَلُّمِ أَحْكَامَ الْفِقْهِ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ تعالى حَدَّ حُدُودًا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا يَقْرَبْ حُدُودَ اللهِ تَعَالَى وَلَا يَفْعَلْ مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. يُطِيعُ اللهَ فِيمَا أَمَرَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَجْتَنِبَ الْمَعَاصِي. لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أَيْ امْتَثِلُوا أَوَامِرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَوَاهِيهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَيَتُوبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْخَطَ عَلَيْهِ)
قَالَ تَعَالَى [وَمَنْ يَحْلُلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] بِأَنْ يَدُومَ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ
شُرُوطُ التَّوْبَةِ
(وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ:[١] النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ[٢]ـ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى ذَنْبٍ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمُرِهِ[٣]ـ وَأَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ فِي سَاعَتِهَا إِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّوْبَةَ وَلَا يَقُولَ حَتَّى يَهْدِيَنِي اللهُ فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَةِ الشِّقَاءِ وَالْخِذْلَانِ وَالطَّمْسِ الْبَصِيرَةِ)
فِي هَذَا حَثُّ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللهِ بِالطَّاعَةِ وَالتَّبَاعُدِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي كُلِّ حِينٍ.
قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَالْبَوَاعِثُ عَلَيْهَا سَبْعَةٌ: خَوْفُ الْعِقَابِ وَرَجَاءُ الثَّوَابِ وَالْخَجْلِ مِنَ الْحِسَابِ وَمَحَبَّةُ الْحَبِيبِ وَمُرَاقَبَةُ الرَّقِيبِ الْقَرِيبِ وَتَعْظِيمُ الْمَقَامِ وَشُكْرُ الْإِنْعَامِ.
تَنْقَسِمُ الذُّنُوبُ أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ: ذُنُوبٌ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيَنَ الْعَبْد، وَذُنُوبٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ النَّاسِ.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شُرُوطُ التَّوْبَةِ فِيهِ؛ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَشُرُوطُ التَّوْبَةِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ الرَّابِعُ: وَهُوَ رَدُّ الْمَظَالِمِ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ وَإِرْضَاءُ الْخَصُومِ.
وَهِيَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الدِّمَاءِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ.
حفظ الجوارح
وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ لِسَانِهِ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَأَيْمَانِ الطَّلَاقِ وَانْتِهَارِ الْمُسْلِمِ وَإِهَانَتِهِ وَسَبِّهِ وَتَخْوِيفِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ). هَذَا تَحْذِيرٌ مَنَ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ بِاللِّسَانِ. يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ]
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جُزَيٍّ الْمُنْهِيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِاللِّسَانِ وَهِيَ عِشْرُونَ: الْغِيبَةُ؛ وَهِيَ حَرَامٌ إِلَّا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: التَّظَلُّمُ، وَالْإِسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَالْإِسْتِفْتَاءُ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالتَّعْرِيفُ بِشَخْصٍ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ كَالْعَمَى، وَمُجَاهِرًا بِالْفِسْقِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي نِكاَحٍ، وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ، وَإِذَا كَانَ الْقَائِلُ وَالْمَقُولُ لَهُ عَالِمَيْنِ بِمَا يَجْرِي. وَالْبُهْتَانُ، وَالْكَذِبُ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالسُّخْرِيَةُ، وَإِطْلَاقُ مَا لَا يَحِلُّ إِطْلَاقُهُ لِلَّهِ وَالرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّحَابَةِ، وَكَلَامُ الْعَوَامِّ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَالسِّحْرُ، وَالْفُحْشُ، وَالْغِنَاءُ، وَالْمَدْحُ، وَكَلَامُ ذِي الْوَجْهَيْنِ، وَتَزْكِيَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ، وَالْكَذِبُ فِي الْوَعْدِ، وَالْجِدَالُ، وَذَمُّ الْأَشْيَاءِ كَالْأَطْعِمَةِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَالنَّمِيمَةُ.
وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ بَصَرِهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُسْلِمٍ بِنَظْرَةٍ تُؤْذِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَيَجِبُ هِجْرَانُهُ) قَدْ حَذَّرَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْ نَظْرِ الْمُحَرَّمِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَوْرَاتِ فِي قَوْلِهِ (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ نَظْرُهُ وَعَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ فِعْلُهُ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَاسِقًا فَالْوَاجِبُ هُنَا هِجْرَانُهُ وَتَرْكُ مُصَاحَبَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ جَمِيعِ جَوَارِحِهِ مَا اسْتَطَاعَ)
أَمَّا الْجَوَارِحُ فَهِيَ أَعْضَاءٌ سَبْعَةٌ كَمَا نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ:
تَجْنِي عَلَى الْإِنْسَانِ سَبْعُ جَوَارِحُ # فَيَا لَيْتَ لَمْ تُخْلَقْ وَلَا هُوَ يُولَدُ
لِسَــانٌ وَرِجْلٌ ثُمَّ سَمْعٌ وَنَــاظِــرٌ # وَبَطْنٌ وَفَرْجٌ ثُمَّ سَابِعُـــهَا الْيَدُ
لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَنْ يَصُونَ أُذْنَهُ مِنِ اسْتِمَاعِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَكُلِّ بَاطِلٍ، وَ عَيْنَهُ مِنَ النَّظْرِ إِلَى الْحَرَامِ، وَلِسَانَهُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْخِدَاعَةِ وَكُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ، وَيَدَيْهِ مِنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَلَمْسِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَغَيْرِذَلِكَ، وَالْبَطْنَ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ، وَالْعَوْرَةَ مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَغَيْرِهِمَا، وَرِجْلَيْهِ مِنْ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ وَمِنَ الْمَشْيِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَأَنْ يُحِبَّ لِلَّهِ وَيَبْغُضَ لَهُ).
الحب والبغض
الْمُرَادُ بِذَلِكَ حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ وَبُغْضُ الْكَافِرِينَ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَهْوَاءِ. فَمَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَكَذَا أَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْأَوْلِيَاءَ، وَمَنَ أَحَبَّ وَالِدَيْهِ وَأَشْفَقَ عَلَيْهِمَا فَقَدْ أَحَبَّ لِلَّهِ. وَمَنْ أَحَبَّ كَافِرًا عَدُوًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ لَاعِبِي كُرَةِ الْقَدَمِ أَوِ الْمُصَارِعِينَ أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدْ أَحَبَّهُمْ لِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ لَا لِلَّهِ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يُحِبَّ لِلَّه،ِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ(لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) وحكم الآية باق مع سائر الكفار إلى يوم القيامة
الرضى والغضب
وَقَوْلُهُ: (وَيَرْضَى لَهُ وَيَغْضَبَ لَهُ)
الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَرْضَى بِالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَغْضَبَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا السَّيِّئَاتِ. فَمَنْ غَضِبَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَقَدْ غَضِبَ لِلَّهِ، وَفِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، أَنَّ رَجُلًا نَوَى قَطْعَ شَجَرَةٍ تُعْبَدُ غَضَبُا بِالْمَعْصِيَةِ، فَكَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ. فَتَلَقَّاهُ الشَّيْطَانُ بِصُورَةِ آدَمِيٍّ وَاسْتَرْضَاهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَضِيَ. فَكَانَ رِضَاهُ لِغَيْرِ اللهِ. ثُمَّ أَخْلَفَ الشَّيْطَانُ وَعْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَغَضِبَ الرَّجُلُ فَقَامَ لِقَطْعِ الشَّجَرَةِ فَصَارَ الْغَضَبُ لِغَيْرِ اللهِ. وَكَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (قَالَ إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ* فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى.
الأمر بالمعروف
وَقَوْلُهُ: (وَيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيْنَهى عَنِ الْمُنْكَرِ)
وَالْمُرَادُ هُنَا الْوَعْظُ وَالْإِرْشَادُ، وَهُوَ وَاجِبٌ كِفَائِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ سَقَطُوا جَمِيعًا فِي الْمَأْثَمِ. وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ لِإِرْشَادِ بَعْضِهُمْ بَعْضًا حَيْثُ قَالَ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلَّطَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ظَالِمًا، لَا يَجِلُّ كَبِيرَكُمْ وَلَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ وَيَدْعُو خِيَارُكُمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ
بَعْضُ الْكَبَائِرِ
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ:
١ـ الْكَذِبُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ.
حَرَامٌ إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ إِنِ اضْطُرَّ لِلْكَذِبِ فِيهِ، وَالْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ، وَكَذِبِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّعْرِيضُ لَا التَّصْرِيحُ بِالْكَذِبَ، وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ كَمَنْ اخْتَفَى عِنْدَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَيَجْحَدُهُ
٢ـ وَالْغِيبَةُ: َقالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضًا).أي لا يذكره بشيء وإن كان فيه. وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَنْهَى الْفَاعِلَ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ.
فَيَجِبُ عَلَى فَاعِلِهَا التَّوْبَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْغِيبَةُ.
٣ـ وَالنَّمِيمَةُ: والنمام هو الذي يتحدث مع القوم ، فيكشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث، وسواء كان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرها. قالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). المقصود من الآية أيّ نَمَّامٍ فَإِنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ عَيْنَ الْوَلِيدِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ بَلْ هُوَ صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ وَإِنْ كَانَ سَبَبَ النُّزُولِ وَاقِعَتُهُ.
فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ.
وَكُلُّ مَنْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ النَّمِيمَةُ لَزِمَهُ سِتَّةُ أُمُورٍ:
(١) ـ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ النَّمَامَ فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مَرْدُودٌ خَبَرُهُ. (٢) ـ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْصَحَهُ. (٣) ـ أَنْ يَبْغُضَهُ فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللهِ (٤) ـ أَنْ لَا يَظُنَّ بِالْمَنْقُولِ عَنْهُ السُّوءَ. (٥) ـ أَنْ لاَ يَحْمِلَ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ عَنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ. قالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَجَسَّسُوا) (٦) ـ أَنْ لَا يَحْكِى النَّمِيمَةَ عَنْهُ.
٤ـ وَالْكِبْرُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ الْخَلْقِ]. وَقَالَ أَيْضًا [لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْكِبْرِ]
٥ـ وَالْعُجُبُ: هُوَ رُؤْيَةُ الْعِبَادَةِ وَاسْتَعْظَمَتِهَا، كَمَا يُعْجِبُ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ وَالْعَاِلمُ بِعِلْمِهِ. فَهَذَا حَرَامٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلطَّاعَةِ.
٦ـ والرياء: أَنْ يَعْمَلَ الْقُرْبَةَ لِيَرَاهُ النَّاسُ. يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يُرَائِي يُرَاءِ اللهُ بِهِ وَمَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعُ اللهُ بِهِ)
وَالرِّيَاءُ قِسْمَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ.
فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَفْعَلَ الطَّاعَةَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لَا غَيْرَ. فَإِنْ خَلَا بِنَفْسِهِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَمْ لَا، لَكِنْ يَفْرَحُ عِنْدَ حُضُورِهِمْ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عِيَاضٍ: فَمَنْ عَزَمَ عَلَى عِبَادَةٍ فَتَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ فَهُوَ مُرَّاءٌ، إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا لِيَفْعَلَهَا فِي الْخَلْوَةِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ.
٧ـ وَالسُّمْعَةُ: وَتُسَمَّى التَّسْمِيعُ، فَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ وَحْدَهُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ لِأَجْلِ تَعْظِيمِهِمْ لَهُ أَوْ لِجَلَبِ خَيْرٍ مِنْهُمْ. قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ)
٨ـ وَالْحَسَدُ: وَهُوَ: تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاسِدِ مِثْلَهُا، وَالْغِبْطَةُ تَمَنِّي مِثْلِهَا. فَالْحَسَدُ مَذْمُومٌ دُونَ الْغِبْطَةِ.
٩ـ وَالْبُغْضُ: وهُوَ أَنْ يُبْغِضَ النَّاسَ لِمَا يَرَى لَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ وَلَيْسَ هُوَ فِي دَرَجَتِهِمْ.
١٠ـ وَرُؤْيَةُ الْفَضْلِ عَلَى الْغَيْرِ: فِي عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ رِفْعَةٍ أَوْ مَكَانَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُورِثُ النَّفْسَ عُتُوًّا، وَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ إِبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي الْحَسْرَةِ.
١١، ١٢ـ وَالْهَمْزُ وَاللَّمْزُ:هُوَ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الْهَمَّازُ بِالْقَوْلِ وَاللَّمَّازُ بِالْفِعْلِ، يَعْنِي يَزْدَرِي النَّاسَ وَ يَنْقُصُ بِهِمْ
١٣ـ وَالْعَبَثُ: هُوَ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ، كَلَعِبِ الشَّطْرَنْجِ وَالْوَرَقُ وَالنَّرْدُ، إِلَّا الْفَرَسَ وَالْقَوْسَ وَالزَّوْجَةَ.
١٤ـ وَالسُّخْرِيَةُ: هِيَ أَنْ يَرَى غَيْرَهُ حَقِيرًا فَيَعْبَثُ بِهِ أَيْ يَسْتَهْزِئُ بِهِ، كَالْعَمَى أَوِ السُّرْعَةِ فِي الْمَشْيِ وَالْكَلَامِ أَوِ الْعَرَجِ وَ غَيْرِهَا. قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ)
١٥ـ وَالزِّنَا: تَحْرُمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وَيَقُولُ الرَّسُولُ صلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)
١٦ـ وَالنَّظْرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) فَحِكْمَةُ دُخُولِ ‘مِنْ‘ فِي غَضِّ الْبَصَرِ دُونَ حِفْظِ الْفَرْجِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَمْرَ النَّظْرِ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الْفَرْجِ
وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ جسَدَهَا بِخِمَاٍر خَصِيفٍ سَابِغٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) أَيْ يُلْقِينَ خُمُرَهُنَّ عَلَى مَوْضِعِ جُيُوبِهِنَّ وَهُوَ الْعُنُقُ. وَالْجَيْبُ فِي الْأَصْلِ طَوْقُ الْقَمِيصِ وَكَانَتِ النِّسَاءُ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ يُسْدِلْنَ جُيُوبَهُنَّ مِنْ خَلْفِهِنَّ فَتَبْدُو نُحُورُهُنَّ وَقَلَائِدُهُنَّ مِنْ جُيُوبِهِنَّ لِسَعَتِهَا فَأُمِرْنَ بِإِرْسَالِ خُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ سَتْرًا لِمَا يَبْدُو مِنْهُنَّ
وَيَجُوزُ النَّظَرُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ الْفِتْنَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ فَيَجُوزُ نَظَرُهُ لِأَجْنَبِيٍّ إِنْ لَمْ يُخَفِ الْفِتْنَةُ وَإِلَّا تَنَقَّبَتْ.
١٧ـ وَالتَّلَذُّذُ بِكَلَامِهَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْهَاتِفِ أَوْ غَيْرِهِ.
١٨ـ وَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ: وَهُوَ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْمَيْسِرِ وَالْخَدِيعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
١٩ـ وَالْأَكْلُ بِالشَّفَاعَةِ: كَمُسَاعَدَةِ الصَّادِقِ فِي الْمَحْكَمَةِ.
٢٠ـ أَوْ بِالدِّينِ: كَمَنْ يَأْتِي لِلنَّاسِ يُظْهِرُ الصَّلَاحَ، مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ أَوِ الْمَدَارِسِ أَوِ الْحَفَلَاتِ الدِّينِيَّةِ فَيَسْتَعْمِلُ تِلْكَ الْفُرْصَةَ يَسْتَأْكُلُ بِهَا
٢١ـ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا: إِلَّا بِعُذْرٍ مَقْبُولٌ فِي الشَّرْعِ. وَالْأَعْذَارُ: النَّوْمُ وَالنِّسْيَانُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصِّبَا وَالْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ.
فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ بِأَنْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوِ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَّا مِقْدَارَ الطَّهَارَةِ سَقَطَتْ عَنْهُمُ الصَّلَاةُ. وَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ سَقَطَتْ، إِلَّا النَّوْمَ وَالنِّسْيَانَ فَلَا يُسْقِطَانِ الصَّلَاةَ إِنْ حَصَلَا فِي وَقْتِهَا.
المصاحبة
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ صُحْبَةُ فَاسِقٍ وَلَا مُجَالَسَتَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)
فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يُصَاحِبَ الْفَاسِقَ وَلَا يُجَالِسَهُ فِي مَجْلِسٍ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَأَنْ يَكُونَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ فِي الْمَدْرَسَةِ أَوْ سَكَنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجِدْ سَكَنًا غَيْرَها.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَطْلُبُ رِضَا الْمَخْلُوقِينَ بِسَخَطِ الْخَالِقِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : [وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ]. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)
إِلَّا مَنْ أُجْبِرَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَلْبِهِ قالَ اللهُ تَعَالَى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَإِنٌّ بِالْإِيمَانِ)
يَعْنِي لَا يَتْبِعُ أَغْرَاضَهُمُ طَمَعًا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ فِي أَمْرٍ يُوجِبُ سُخْطَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَفْعَلُ شَبَابُ بِلَادِنَا وَقَتَ الْإِنْتِخَابَاتِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسُخْطِ اللهِ وَكَّلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ)
وَمِنْ ذَلِكَ التَّدَاوِي بِحَرَامٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ دَوَاءً لِعِلَّةٍ بِهِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ الطَّبِيبُ بِشُرْبِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ خَلْطِ آيَةٍ بِنَجِسٍ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ.
طلب العلم واتباع السنة
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَيَسْأَلُ الْعُلَمَاءَ)
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مِنَ الْعِبَادَاتِ أَوِ الْمًعَامَلَاتِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، فَيَعْلَمَ مَشْرُوعِيَّةَ الْأَمْرِ وَفَرَائِضَهُ وَسُنَنَهُ وَمَنْدُوبَاِتهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ وَمَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهَا. وَيَجْتَهِدُ فِي سُؤَالِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْأَحْكَامِ قالَ اللهُ تَعَالَى (فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
وَقَوْلُهُ: (وَيَقْتَدِيَ بِالْمُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ ــ سَيِّدِنَا ــ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ يَدُلُّونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَيُحَذِّرُونَ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ)
هَذَا تَحْذِيرٌ مِنِ اتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ شَغَفَهُمْ حُبُّ الدُّنْيَا وَالْمُرَّاءُونُ بِعِلْمِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ أَيْنَمَا وَجَدَهُ وَلَا يُبَالِي بِحَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ فِي أُمُورِ السِّيَاسَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ الْمُفْلِسُونَ الَّذِينَ ضَاعَتْ أَعْمَارُهُمْ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَاَلى)
وَحَسْبُكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْمُفْلِسِ حَيْثُ قَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيأتي شَتَمَ هَذَا وقذف هذا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخَذَ مِنْ خَطَاَياهُمْ فَطُرِحَت عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْرَحُ فِي النَّارِ ".
لِهَذَا حَذَّرَ الشَّيْخُ الْأَخْضَرِيُّ مِنِ اجْتِمَاعِ الْحَسَنَاتِ وَالظُّلْمِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ كَيْلَا يَقَعَ عَلَيْهِ الْإِفْلَاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُرَى إِلَّا مُحَصِّلًا حَسَنَةً لِمَعِادِهِ. ثُمَّ اخْتَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ (فَيَا حَسْرَتَهُمْ وَيَا طُولَ بُكَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ثُمَّ دَعَا فَقَالَ:(نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِاتَّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) آمِينَ
فَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ
الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ. فَالْمَعْنَوِيَّةُ طَهَارَةُ الْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ. وَالْحِسِّيَّةُ هِيَ الْفِقْهِيَّةُ الَّتِي تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ: طَهَارَةُ حَدَثٍ وَطَهَارَةِ خَبَثٍ.
فَلِكَونِ هَذَا الْكِتَابِ يَجْرِي وَرَاءَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله: (الطهارة قسمان: طهارة حدث وطهارة خبث).
فَطَهَارَةُ الْحَدَثِ ثَلَاثٌ: كُبْرَى هِيَ الْغُسْلُ وَصُغْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ وَبَدَلٌ مِنْهُمَا عِنْدَ تَعَذُّرِهِمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ. وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ ثَلَاثٌ: غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَنَضْحٌ.
فَالنَّضْحُ لِلَّثْوِب إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ وَالْمَسْحُ فِيمَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ كَالسَّيْفِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ، وَالْغَسْلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَلَا يَصِحُّ الْجَمِيعُ إِلَّا بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ الْمُطَهِّرِ وَهُوَ) الماء (الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ بِـ) سَبَبِ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ (مَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كَالسَّمْنِ فَلَا يَلْتَقِي مَعَ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ، بِخِلَافِ السَّبِخَةِ يَلْتَقِيَانِ تَارَةً.
سُؤْرُالدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ طَاهِرٌ عِنْدَ الإمام مالك والشافعي وَفِي سُؤْرِ الْكَلْبِ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ وُلُوغِهِ فِي الْمَاءِ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ وَفِي سُؤْرِ مَا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ كَالْهِرِّ وَالْفَأْرِ، فَإِنْ رُئِيَ فِي أَفْوَاهِهَا نَجَاسَةٌ كَانَ الْمَاءُ كَالَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةُ أَفْوَاهِهَا فَطَاهِرٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ بِقَوْلِهِ (كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالدَّسَمِ كُلِّهِ
وَالْوَذَحِ وَالصَّابُونِ وَالْوَسَخِ وَنَحْوِهِ) كُلُّهَا تُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا. وَكُلَّمَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِسَبَبِ وَاحِدٍ مِنْهَا سَلَبَهُ الطُّهُورِيَّةَ وَأَلْبَسَهُ حُكْمَهُ.
(وَلَا بَأْسَ بِالتُّرَابِ وَالْحَمْأَةِ وَالسَّبِخَةِ وَالْآجُرِّ وَنَحْوِهِ)
إِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إِنَاءٍ.
وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ فِي بِئْرٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَجَبَ نَزْحُهُ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ فَإِنْ زَالَ بِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ إِلَى أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْإِسْتُحِبَّ النَّزْحُ بِحَسَبِ الْمَاءِ وَالْمَيْتَةِ
وَإِنْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي سِمْنٍ ذَائِبٍ فَمَاتَتْ فِيهِ طُرِحَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا طُرِحَتْ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا خَاصَّةً ، قَالَ سَحْنُونُ إِلَّا أَنْ يَطُولَ مَقَامُهَا فِيهِ.
فَصْلٌ فِي النَّجَاسَةِ
قال الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِذَا تَعَيَّنَتِ النَّجَاسَةُ غُسِلَ مَحَلُّهَا)
النَّجَاسَاتُ الْمُجْتَمَعُعَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ : بَوْلُ ابْنُ آدَمَ الْكَبِيرِ، وَرَجِيعُهُ، وَالْمَذْيُ، وَالْوَدْيُ، وَلَحْمُ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَعَظْمُهُمَا، وَجِلْدُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ إِنْ لَمْ يُدْبَغْ، وَمَا قُطِعَ مِنَ الْحَيِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إِلَّا الشَّعْرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ـ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ ـ، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرَةِ، وَالْمُسْكِرُ، وَبَوْلُ الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ، وَرَجِيعُهُ، وَالْمَنِيُّ، وَالدَّمُ الْكَثِيرُ، وَالْقَيْحُ الْكَثِيرُ.
(وَإِنِ الْتَبَسَتْ غُسِلَ الثَّوْبُ كُلُّهُ)
يَعْنِي أنَّإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، فَمَنْ صَلَّى بِهَا أَعَادَ إِنْ كَانَ ذَاكِرًا وَقَادِرًا. يُرَخَّصُ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ حَيْثُ لَايُمْكِنُ الْإِحْتِرَازُ عَنْهَا أَوْ يَشُقُّ كَالْجُرْحِ وَالدُّمَّلِ يَسِيلُ وَالْمَرْأَةِ تُرْضِعُ وَصَاحِبِ السَّلَسِ. وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِأَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ كُلِّهِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِهِ.
(وَمَنْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ نَضَحَ)
يَعْنِي وَإِنْ شَكَّ فِي إِصَابَتِهَا لِبَدَنٍ غُسِلَ وَلِثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ وَجَبَ رَشُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا نَضْحَ عَلَيْهِ)
يعني تَحَقَّقَ الْإِنْسَانُ وُجُودَ شَيْءٍ لَكِنْ دَارَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ نَجَاسَةً وَعَدَمِ نَجَاسَتِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ.
(وَمَنْ تَذَكَّرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ إِلَّا أَنْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) فَيُتِمَّ صَلَاتَهُ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي الْأَعْذَارِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا وَتَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ)
يَعْنِي لَوْ دَخَلَ الصَّلَاةَ نَاسِيًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأَّمَّا لَوْ دَخَلَ الصَّلَاةَ عَالِمًا بِنَجَاسَةِ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِزَالَتِهَا يُعِيدُ أَبَدًا.
وَمَنْ رَعَفَ مَعَ الْإِمَامِ خَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ بَنَى، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ. وَلَا يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ لَمْ تَتِمَّ بِسَجْدَتَيْهَا وَلْيُلْقِهَا. وَلَا يَنْصَرِفُ بِدَمٍ خَفِيفٍ وَلْيَفْلِتْهُ بِأَصَابِعِهِ. وَلَا يَبْنِي فِي قَيْءٍ وَلَا حَدَثٍ وَمَنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ. وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِهِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ وَسَلَّمَ. لِلَّراعِفِ أَنْ يَبْنِي فِي مَنْزِلِهِ إِذَا يَئِسَ. أَنْ يُدْرِكَ بَقِيَّةَ صَلاَةَ الْإِمَامِ
وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقَاءُ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ. وَأَمَّا إِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ الْإِدْرَاكَ وَشَكَّ فِيهِ وَلَوْ بِتَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وُجُوبًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ صَوْتِ إِمَامِهِ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَأَنَّ الِإمَامَ إِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ سُنَّةَ تَشَهُّدِهِ سَلَّمَ، وَإِلَّا اسْتَخْلَفَ وَبَنَى ، وَإِنْ سَلَّمَ مُسْتَخْلِفُهُ قَبْلَ أَنْ يَمْشِيَ كَالصَّفَّيْنِ سَلَّمَ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَإِنْ أَخَذَ سُنَّةَ تَشَهُّدِهِ سَلَّمَ وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلِ بِبِنَائِهِ.
فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ
الْوُضُوءُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فَرَائِضُ الْوُضُوءِ سَبْعٌ: النِّيَّةُ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالدَّلْكُ، وَالْفَوْرُ).
فَمَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ جَفَّ وُضُوءُهُ فَعَلَ مَا تَرَكَ خَاصَّةً كما سيأتي
وَقال : (وَسُنَنُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالْإِسْتِنْشَاقُ، وَالْإِسْتِنْثَارُ، وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَسْحُ الْأُذْنَيْنِ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ).
فَشَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ النَّاسِي لِبَعْضِ الْفَرَائِضِ أَوِ السُّنَنِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ نَسِيَ فَرْضًا مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بِالْقُرْبِ) قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ وُضُوءُهُ(فَعَلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ) بِأَنْ جَفَّ الْوُضُوءُ(فَعَلَهُ وَحْدَهُ وَأَعَادَ مَا صَلَّى قَبْلَهُ.
وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً فَعَلَهَا وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ) مَنْ تَرَكَ سُنَّةً نَاسِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَفَعَلَ مَا نَسِيَ لِمَا يَسْتَقْبِلُ ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فَهُوَ كَالنَّاسِي .
وَمَنْ نَسِيَ لُمْعَةً غَسَلَهَا وَحْدَهَا بِنِيَّةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ) فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى. (وَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ أَعَادَ).
(وَمَنْ تَذَكَّرَ الْمَضْمَضَةَ وَالْإِسْتِنْشَاقَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْوَجْهِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا حَتَّى يُتِمَّ وُضُوءَهُ) لِأَنَّهُمَا مِنَ السُّنَنِ دُونَ الْفَرَائِضِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَنْدُوبَاتِهَا، فَقَالَ:(وَفَضَائِلُهُ: التَّسْمِيَّةُ وَالسِّوَاكُ وَالزَّائِدُ عَلَى الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْبِدَايَةُ بِمُقَدِّمِ الرَّأْسِ وَتَرْتِيبُ السُّنَنِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى. عَلَى الْيُسْرَى)
وَإِنْ تَرَكَ فَضِيلَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ:(وَيَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَينِ وَيُسْتَحَبُّ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ. وَيَجِبُ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْكَثِيفَةِ ، وَيَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِي الْغُسْلِ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً).
نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ) قِسْمَانِ:١ـ (أَحْدَاثٌ) ٢ـ (وَأَسْبَابٌ).
(فَالْأَحْدَاثُ) خَمْسَةٌ وَهِيَ:(الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ)
وَاتَّفَقُوا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى انْقِضَاءِ الْوُضُوءِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ وِالْوَدْيِ لِصِحَّةِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ خُرُوجُهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْأِسْبَابُ: النَّوْمُ الثَّقِيلُ) طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا (وَالْإِغْمَاءُ) وَهِيَ فَقْدُ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ لِعَارِضٍ (وَالسُّكْرُ وَالْجُنُونُ وَالْقُبْلَةُ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ إِنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ) سواء وَجَدَهَا أَمْ لَا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ اللَّذَّةِ(أَوْ وَجَدَهَا) بِغَيْرِ قَصْدٍ كَالطَّبِيبِ يُدَاوِي امْرَأَةً أَوْ مُعِينٌ يُنْقِذُ امْرَأَةً مِنْ حَرِيقٍ أَوْ فَيْضَانٍ(وَمَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ) مُتَّصِلًا بِلَا حَائِلٍ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)
(وَمَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسْوِسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) بِأَنْ شَكَّ فِي السَّابِقِ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، أَوْ شَكَّ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنَ الْمَذْيِ وَلَا يَغْسِلُ الْأُنْثَيَيْنِ. وَالْمَذْيُ هُوَ الْمَاءُ) الْأَبْيَضُ الرَقِيقُ (الْخَارِجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ الصُّغْرَى بِـ) سَبَبِ (تَفَكُّرٍ أَوْ نَظْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمُلَاِ النِّسَاءِ.
فَصْلٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُتَوَضُّئِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ مُتَوَضُّئٍ صَلَاةٌ وَلَا طَوَافٌ وَلَا مَسُّ نُسْخَةِ الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ وَلَا جِلْدِهَا، لَا بِيَدِهِ وَلَا بِعُودٍ وَنَحْوِهِ)، إِلَّا بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ وَإِنْ عَلَى كَافِرٍ.أَيْ لَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ إِنْ كَانَ فِي مَتَاعٍ تُحْمَلُ إِلَى مَكَانٍ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، لِأَنَّهُ حَامِلُ مَتَاعٍ لَا حَامِلُ قُرْءَانٍ. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ بْنِ عُمَيْرٍ بْنِ جَدَعَانَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ قَالَ (إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) (إِلَّا الْجُزْءَ مِنْهَا الْمُتَعَلَّمَ فِيهِ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ بِهِ الطَّالِبُ.
(وَلَا مَسُّ لَوْحِ الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ إِلَّا لِمُتَعَلِّمٍ فِيهِ أَوْ مُعَلِّمٍ يُصَحِّحُهُ)
ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ (وَالصَّبِيُّ فِي مَسِّ الْقُرْءَانِ كَالْكَبِيرِ وَالْإِثْمُ عَلَى مُنَاوِلِهِ لَهُ. وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ الْوُضُوءِ عَامِدًا فَهُوَ كَافِرٌ) إِنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا أَوِ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا كَسَلًا (وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ).
وَذَهَبَ الْجَمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ مُتَوَضُّئٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْءَانَ وَيَذْكُرُ اللَّهَ.
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ (يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسِ). لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ مُطْلَقًا فِي النَّوْمِ أَوِ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ
فَالْجَنَابَةُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَحَكِّ الْجَسَدِ وَالْإِغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ أَوْ بِأَمْرٍ مُؤْلِمٍ كَالضَّرْبِ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ (وَالثَّانِي مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ) أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتِ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)
وَقَوْلُهُ:(وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَنِيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)
وَأَمَّا الْإِحْتِلَامُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي النَّوْمِ، مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ إِجْمَاعًا. وَلَا يَجِبُ مِنَ الْإِحْتِلَامِ دُونَ الْإِنْزَالِ اجْمَاعًا لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ)
وَقَوْلُهُ:(وَمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا يَابِسًا لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَهُ إِغْتَسَلَ وَأَعَادَ مَا صَلَّى مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ) لِقَوْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ (يَغْسِلُ) ، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا، قَالَ (لَا غُسْلَ عَلَيْهِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَرَائِضُ الْغُسْلِ: النِّيَّةُ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وِالْفَوْرُ، وَالدَّلْكُ، وَالْعُمُومُ) فَيَجِبُ عَلَى الْمُغْتَسِلِ أَنْ يَنْوِيَ نَوْعَ الْغُسْلِ الَّذِي يُرِيدُ جُنُبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهِ. وَيَفْعَلُ الْغُسْلَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ وَيُدَلِّكُ، وَلْيَتَحَقَّقْ بِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ أَوْعَبَ جِسْمَهُ. وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ كَثِيفَةً كَانَتْ أَوْ خَفِيفَةً.
(وَسُنَنُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ كَالْوُضُوءِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالْإِسْتِنْشَاقُ، وَالْإِسْتِنْثَارُ، وَغَسْلُ صِمَاخِ الْأُذْنَيْنِ) ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِهَا بِقَوْلِهِ (وَهِيَ الثُّقْبَةُ الدَّاخِلَةُ فِي الرَّأْسِ وَأَمَّا صَحْفَةُ الْأُذْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا)
(وَفَضَائِلُهُ: الْبِدَايَةُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ الذَّكَرِ، فَيَنْوِي عِنْدَهُ ثُمَّ أَعْضَاء الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ أَعْلَى جَسَدِهِ، وَتَثْلِيثُ غَسْلِ الرَّأْسِ، وَتَقْدِيمُ شَقِّ جَسَدِهِ الْأَيْمَنِ، وَتَقْلِيلُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعَضَاءِ).
فُرُوعٌ خَمْسَةٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ، يَجِبُ أَنْ يَتَفَقَّدَ مَوَاضِعَ الْخَفِيَّةِ كَتَحْتَ الذَّقَنِ وَالْإِبْطَيْنِ وَأُصُولَ الْفَخِذَيْنِ وَتَحْتَ الرُّكْبَتَيْنِ وَعُمْقَ السُّرَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. الْفَرْعُ الثَّانِي، مَنِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَثْنَاءَ غُسْلِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْوِيهِ أَمْ لَا. الْفَرْعُ الثَّالِثُ، يُجْزِئُ الْحَائِضَ الُجُنُبَ غُسْلٌ وَاحِدٍ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَتَنُوبُ نِيَّةُ الْغُسْلِ عَنِ الْوُضُوءِ لِدُخُولِهِ تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. الْفَرْعُ الْرَّابِعُ، إِذَا اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ فَفِي ذَلِكَ صُوَرٌ. الْأُولَى أَنْ يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَيَتْبَعُهَا الْجُمُعَةَ لِيَجْزِيَهُ عَنْهُمَا اتِّفَاقًا.الْفَرْعُ الْخَامِسُ، تَغْتَسِلُ الذِّمَّيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْحَيْضِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ وَيَجْبَرُهَا الزَّوْجُ أَوِ السَّيِّدُ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ لَا مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجْبَرُهَا.
ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَمَنْ نَسِيَ لُمْعَةً أَوْ عُضْوًا مِنْ غُسْلِهِ بَادَرَ إِلَى غَسْلِهِ حِينَ تَذُكُّرِهِ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَأَعَادَ مَا صَلَّى قَبْلَهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَطَلَ غُسْلُهُ. فَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَصَادَفَهُ غَسْلُ الوُضُوءِ أَجْزَأَهُ).
وَلَا تَنْقُضُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا لِحَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ ؟ قَالَ : (لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ)
فَصْلٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ) وَلَوْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ ،(إِلَّا الْآيَة َوَنَحْوَهَا لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ) وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْآيَاتِ الْيَسِيرَةِ لِلتَّعَوُّذِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ حَتَّى يُعِدَّ الْآلَةَ). أَيْ لَا يَحِلُّ أَنْ تَحْمِلَ جَنَابَةً إِنْ كُنْتَ تَخْشَى الْإِغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَكَ حَطَبٌ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ فَرَأَى جَنَابَةً قَدْ أَصَابَتْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ الْحَطَبُ.
فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ
التَّيَمُّمُ فِي اللًّغَةِ مُطْلَقُ الْقَصْدِ. وَفِي الشَّرْعِ قَصْدُ الصَّعِيدِ وَاسْتِعْمَالُهُ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَهَذَا الْفَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)
فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَيَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَ) كَذَلِكَ (الْمَرِيضُ) كِلَاهُمَا (لِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ. وَيَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرَائِضِ) فَقَطْ (إِذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا. وَلَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِنَافِلَةٍ وَلَا جُمُعَةٍ وَلَا جَنَازَةٍ إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الْجَنَازَةُ) بِأَنْ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ وَفَقَدَ الْمَاءَ وَإِذَا انْتَظَرَ وُجُودَ الْمَاءِ تَغَيَّرَتْ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّى عَلَيْهَا.
يَعْنِي إِنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِفَقْدِ مَاءٍ كَافٍ بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَوْ خَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ أَوْ عَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ كَلْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ لَهُ بَالٌ بِطَلَبِهِ أَوْ خُرُوجِ وَقْتٍ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ فَقْدِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ.
وَصِفَتُهَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسَرٍ حِينَ تَيَمَّمُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ التُّرَابَ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التًّرَابِ شَيْئًا فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ.
(وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ: النِّيَّةُ، وَالصَّعِيدُ الطَّاهِرُ، وَمَسْحُ الْوَجْهِ، وَمَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ، وَضَرْبَةُ الْأَرْضِ الْأُولَى، وَالْفَوْرُ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَاتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ)
(وَالصَّعِيدُ هُوَ التُّرَابُ وَالطُّوبُ وَالْحَجَرُ وَالثَّلْجُ وَالْخَضْخَاضُ وَنَحْوُ ذَلِكَ)
وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَاءَ لِلغُسْلِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا وَإِذَا وَجَدَا الْمَاءَ اغْتَسَلَا وَلَمْ يُعِيدَا مَا صَلَّيَا.
وَإِذَا كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرِهَا جُرْحٌ وَخَافَ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ فَوَاتَ نَفْسِهِ أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ. وَإِذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا بَطَلَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَإِذَا رَدَّهَا فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَسْحِ ثَاِنيَةً.
(وَلَا يَجُوزُ) التَّيَمُّمُ (بِالْجِصِّ الْمَطْبُوخِ وَالْحَصِيرِ وَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ. وَرُخِّصَ لِلْمَرِيضِ فِي) التَّيَمُّمِ بِـ (حَائِطِ) الْمَبْنِيِّ بِـ (الْحَجَرِ وَالطُّوبِ) غَيْرِ مَسْتُورٍ بِجِيرٍ(إِنْ لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلًا غَيْرَهُ).
(وَسُنَنُهُ: تَجْدِيدُ الصَّعِيدِ لِيَدَيْهِ وَمَسْحُ مَا بَيْنَ الْكُوعَيْنِ وَالْمَرْفَقَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ. وَفَضَائِلُهُ: التَّسْمِيَةُ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَقْدِيمُ ظَاهِرِ الذِّرَاعِ عَلَى بَاطِنِهِ وَمُقَدِّمِهِ عَلَى مُؤَخِّرِهِ . وَنَوَاقِضُهُ كَالْوُضُوءِ) فَكُلُّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَنْقُضُ التَّيَمَّمَ، وَوُجُودُ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ فِي أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ بِالتَّيَمُّمِ (وَلَا تُصَلَّى فَرِيضَتَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ . وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ جَازَ لَهُ النَّوَافِلُ بَعْدَهَا وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالتِّلَاوَةُ إِنْ نَوَى ذَلِكَ وَاتَّصَلَتْ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ) يُجْمَعَ بَيْنَ النَّوَافِلُ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةٍ إِنْ قَدَّمَتِ الْفَرِيضَةَ.
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَجَازَ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ كُلُّ مَا ذُكِرَ) يُرِيدُ أَنَّ الْمَرْيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ جَازَ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالتِّلَاوَةُ (إِلَّا الْفَرِيضَةَ) فَلَا يُصَلُّيهَا بَعْدَ النَّافِلَةِ . خُصَّ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَافِلَةٍ.
(وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ قَامَ لِلشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ) لِقَوْلِهِ سَابِقًا "وَاتَّصَلَتْ بِالصَّلَاةِ". (وَمَنْ تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا) بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ.
فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ
إِنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ ثَلَاثَةٌ:
۱ـ دَمُ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى جِهَةِ الصِّحَّةِ.
۲ـ وَدَمُ الْإِسْتِحَاضَةِ، وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى جِهَةِ الْمَرَضِ وَأَنَّهُ غَيْرُ دَمِ الْحَيْضِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِنَمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضَةٍ).
۳ـ وَدَمُ النِّفَاسِ، وَهُوَ خَارِجٌ مَعَ الْوَلَدِ.
(وَ) يَنْقَسِمُ (النِّسَاءُ) فِي الْحَيْضِ إِلَى ثَلَاثَةٍ: ١ـ (مُبْتَدَأَةٌ) ٢ـ (وَمُعْتَادَةٌ) ٣ـ (وَحَامِلٌ)
ثُمَّ بَيَّنَ أَيَّامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ (وَأَكْثَرُ) أَيَّامِ (الْحَيْضِ لِلْمُبْتَدَأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَإِنْ تَمَادَى وَلَمْ يَنْقَطِعْ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً. (وَلِلْمُعَتَادَةِ عَادَتُهَا )أي تَحْفَظُ عَدَدَ أَيَّامِ الَّتِي تَحِيضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، ما بين وَاحِدٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا،(فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ) بِأَنْ جَاوَزَ أَيَّامَ عَادَتِهَا كَخَمْسَةٍ، فَجَاوَزَهَا(زَادَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَقَطْ(مَا لَمْ تَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فمَنْ كَاَنتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ؛ زَادَتْ ثَلَاثَةً فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَهَا. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ؛ تَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ تَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهَذَا لَا يَجُوزُبَلْ تَزِيدُ يَوْمَيْنِ كَيْلَا تُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَا تَزِيدُ شَيْئًا.
ثُمَّ قَالَ (وَلِلْحَامِلِ) إِنْ حَاضَتْ (بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) بِحَمْلِهَا، فَأَيَّامُ حَيْضِهَا(خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا) فَتَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِلَى الْعِشْرِينَ، وَبَعْدَ هَذَا تُعْتَبَرُ اسْتِحَاضَةً. (وَ) إِنْ حَاضَتْ (بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) بِحَمْلِهَا فَأَيَّامُ حَيْضِهَا (عِشْرُونَ وَنَحْوُهَا) فَتَمْكُثُ عِشْرِينَ يَوْمًا إِلَى الْخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاصَةٌ.
وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَهَا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ قَوْلَانِ.
(فَإِنْ تَقَطَّعَ الدَّمُ لَفَّقَتْ أَيَّامَهُ) عَلَى تَفْصِيلِهَا (حَتَّى تُكَمِّلَ عَادَتُهَا) ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَلَا تُحْصِي مَعَ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ. وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَوَانِعِ الْحَيْضِ، وَقَالَ:(وَلاَ يَحِلُّ لِلْحَائِضِ صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا طَوَافٌ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. وَقِرَاءَتُهَا جَائِزَةٌ . وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا فَرْجُهَا وَلَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتَيْهَا) وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ(حَتَّى تَغْتَسِلَ). لقوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِنْ تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)
وَجَسَدُ الْحَائِضِ وَعَرَقُهَا وَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْجُنُبِ.
لِلطُّهْرِ عَلَامَتَانِ (۱) الْجُفُوفُ مِنَ الدَّمِ (۲) وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَأْتِي فِي آخِرِ الْحَيْضِ.
فَإِذَا رَأَتِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ عَلَامَةَ طُهْرِهَا اغْتَسَلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا. وَالْقَصَّةُ أَبْلَغُ لِلْمُعْتَادَةِ، فَإِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا انْتَظَرَتِ الْقَصَّةَ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ : كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلَاةِ ، فَتَقُولُ لَهُنَّ : لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.
فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِي مَنْعِهِ) الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَغَيْرَ ذَلِكَ(وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) لِكُلِّ امْرَأَةٍ ، قَالَ التِّرْمِذِي : "وَيُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِي سِتِّينَ يَوْمًا" (فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَهَا وَلَوْ فِي يَوْمِ الْوِلَادَةِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ) تَنْظِرُ إِلَى يَوْمٍ رُجُوعِهِ وَيَوْمَ انْقِطَاعِهِ(فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ كَانَ الثَّانِي حَيْضًا وَإِلَّا) بِأَنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنمْ يَوْمِ انْقِطَاعِهِ(ضُمَّ إِلَى الْأَوَّلِ وَكَانَ مِنْ تَمَامِ النِّفَاسُ). لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَالْجَاهِلُ اخْتُلِفَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ هَلْ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي أَوِ الْعَامِدِ.
انْتَهَى الْجُزْءُ الْأًوَّلُ
الخاتمة
الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
نُلَاحِظُ فِيمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ النُّصُوصِ أَنَّ دِرَاسَةَ هَذَا الْكِتَابِ الْمَلِيءِ بِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ نَافِعَةٌ جِدًّا لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، لِأًنَّ الصَّلاَةَ هِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ مَنْ أَقَامَهَا فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ وَمَنْ هَدَمَهَا فَقَدْ هَدَمَ الدِّينَ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ). فَاجْتَهِدُوا يَا عِبَادَ اللهِ فِي تَعَلُّمِ هَذَا الْكِتَابِ الْجَلِيلِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِيكُمْ إِيَّاهُ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةِ)
وَفِي الْخِتَامِ أَتَمَنَّى وَأَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَحْثُ نَافِعًا لِلدَّارِسِينَ وَالْمُسْتَمِعِينَ. وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا أَجْرَهُ بَلْ يُضَاعِفَ أُجُورَنَا مَا دَامَ الْبَحْثٌ مَوْجُودًا فِي أَرْضِهِ إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ.
المراجع
١ـ القرآن الكريم، الرسم العثماني
٢ـ ابن كثير ، تفسير القرءان العظيم، تحقيق مصطفى السيد محمد وآخرين، مؤسسة قرطبة، ۲۰۰۰م ، وطبعة دار الفكر بلا تاريخ
٣ـ المحلي والسيوطي ، تفسير الجلاليل، شركة القدس ، ۲۰۰٦م
٤ـ مسلم بن حجاج ، صحيح مسلم ، دار طيبة ، ط:۱ ۲۰۰٦م
٥ـ الحافظ محمد بن عيسى الترمذي ، صحيح سنن الترمذي ، مكتبة المعارف ، ٢٠٠٠م.
٦ـ أبو داود ، سنن أبي داود ، مكتبة المعارف ، ۱۹۹۸م
٧ـ الحافظ محمد بن يزيد القزويني ، صحيح سنن ابن ماجه ، مكتبة المعارف ، ۱۹۹۷م
٨ـ الإمام مالك ، الموطإ ، دار ابن الهيثم ، ۲۰۰۹م
٩ـ ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر ٢٠١٤م
١٠ـ ابن جزي، أبو القاسم محمد بن أحمد، القوانين الفقهية، دار الفكر ٢٠٠٩م
١١ـ العلامة الشيخ خليل بن إسحاق، مختصر، الطبعة الأولى ٢٠٠٦م
١٢ـ الباجوري، الإمام إبراهيم، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد، شركة القدس ط:٢، ٢٠١١م
١٣ـ القيرواني، ابن أبي زيد، متن الرسالة، شركة القدس
١٤ـ الرحموني، السيد عثمان بن عمر، معين التلاميذ على قراءة الرسالة، دار الفكر ٢٠١٣م
١٥ـ الإمام أبو الليث، نصر بن محمد بن أحمد، تنبيه الغافلين، دار الفكر لبنان ٢٠١٤م
١٦ـ الفوتي، الحاج سعد بن عمر، حل المسائل، مكتبة الحاج شريف بلا ٢٠٠٩م
١٧ـ عبد الوهاب الخلاّف، علم أصول الفقه، دار الهيثم القاهرة ٢٠٠٩م
١٩ـ النووي، رياض الصالحين ، دار الفكر، ٢٠١٢م
٢٠ـ حاج زعفان، موضح السر المكنون على الجوهر المكنون ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير ، جامعة وهران ، كلية الأدب واللغات والفقه ، إشراف : أ. د. مختار حبان، 2009-2010
٢١ـ المعجم الوسيط، الطبعة الثانية.
۲۲ـ العلامة الشيخ علي بن محمد الجرجاني، معجم التعريفات ، تحقيق محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة ، بلا تاريخ
الفهرس
صفحة الغلاف...................................................................۱
المقدمة...........................................................................۲
ترجمة الشيخ الأخضري .......................................................۳
الهدف............................................................................۳
الإهداء...........................................................................۳
أول ما يجب على المكلف.......................................................٤
شروط التوبة.....................................................................٦
حفظ الجوارح....................................................................۷
الحب والبغض في الإسلام......................................................۸
الرضى والغضب في الإسلام...................................................۹
الأمر بالمعروف.................................................................۹
بعض الكبائر...................................................................۱۰
المصاحبة......................................................................۱٤
طلب العلم واتباع السنة.......................................................۱۵
فصل في الطهارة..............................................................۱۷
فصل في النجاسة..............................................................۱۸
فصل في الوضوء.............................................................۲۰
نواقض الوضوء...............................................................۲۱
فصل فيما لا يحل لغير المتوضئ............................................۲۲
فصل في الغسل................................................................۲۳
فصل فيما لا يحل للجنب......................................................۲۵
فصل في التيمم................................................................۲۵
فصل في الحيض..............................................................۲۷
فصل في النفاس...............................................................۲۹
الخاتمة.........................................................................۳۰
المراجع........................................................................۳۱
الفهرس........................................................................۳۳
Part 5: Global Impact & Conclusion 🔹 12. Contemporary Sufism and Global Influence 🌐 Digital Revival: Sufi teachings spread via online zawiyas, YouTube, and apps. Institutions like Zaytuna College and Cambridge Muslim College promote classical spirituality for the modern age.
Comments