Skip to main content

التحليل

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الموصوف بالصفات العلى على الدوام، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن أحبهم واقتدى بهم إلى يوم الزحام.

أما بعد، إنّ كتابَ الأخضري كتابٌ ألّفه الشيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ الصغيرِ في الأحكامِ الشرعيةِ المتعلّقة بالعبادات على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله.

وقدِ اسْتخدمَ المؤلِّف ما رزقه الله تعالى من الفصاحة والبلاغة في جمع هذا الكتاب، حيث وضع فيه علوما كثيرة، ومن ذلك مقدّمة بليغة جعلها مطلع الكتاب التي حَوَتْ معلوماتٍ غَزِيرةٍ، يا له من كتابٍ كثيرِ المنافع.

التحليل

لبعض الكلمات من كتاب الأخضري

بأقوال العلماء

 

على مذهب الإمام مالك بن أنس

إمام دار الهجرة

تغمده الله برحمته، آمين

 

إعداد

بشير إسحاق

 

07085969545, 08125168814

الطبعة الأولى 2020م

حقوق الطبع محفوظة



المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الموصوف بالصفات العلى على الدوام، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن أحبهم واقتدى بهم إلى يوم الزحام.

أما بعد، إنّ كتابَ الأخضري كتابٌ ألّفه الشيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ الصغيرِ في الأحكامِ الشرعيةِ المتعلّقة بالعبادات على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله.

وقدِ اسْتخدمَ المؤلِّف ما رزقه الله تعالى من الفصاحة والبلاغة في جمع هذا الكتاب، حيث وضع فيه علوما كثيرة، ومن ذلك مقدّمة بليغة جعلها مطلع الكتاب التي حَوَتْ معلوماتٍ غَزِيرةٍ، يا له من كتابٍ كثيرِ المنافع.

من ذلك، تلخيص كل ما وضعه العلماء عن علم التوحيد، حيث جعله في كلمة واحدة وقال "أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه" فقوله: ’تصحيح إيمانه‘ جَمَعَ فيه كلَّ مصنَّفاتِ العلماءِ فيما يجب أن يعتقده المكلف في حق الله تعالى في الذات والصفات والأسماء والأفعال، وما يعتقده في حق الأنبياء وغيرهم من المخلوقات. لو بذل العلماء جهدهم في توضيح هذه الكلمة لوضعوا كتابا ذا مجلَّداتٍ كثيرةٍ ورُبَّمَا أكثر من مِائَةٍ.

وكذلك لخّص كلَّ وعظٍ وإرشادٍ يقوم به العلماءُ في أقطار الأرض في كلمةٍ واحدةٍ بقوله "ويجب عليه أن يحافظ على حدود الله" فكل مَن يقوم بين يدي الناس يعظهم لا تجاوز كلمته قول هذا المؤلف رحمه الله.

وقد رتَّب الشيخُ هذا الكتاب على فصول، أولها فصل في الطهارة، ثم فصل في النجاسة، ثم فصل في الوضوء وما يتعلق به، ثم فصل في الغسل وما يتعلق به، ثم فصل في موانع الجنابة، ثم فصل في التيمم وما يتعلق به، ثم فصل في الحيض وما يتعلق به، ثم فصل في النفاس، ثم فصل في الأوقات، ثم فصل في شروط الصلاة، ثم فصل فرائض الصلاة وسننها وفضائلها ومكروهاتها، ثم فصل في نور الصلاة، ثم فصل في أحوال الصلاة، ثم فصل في قضاء الفوائت، ثم الأخير وهو للسهو.

فأردت أن أحلل بعض الكلمات منه تحليلا موجزا بأقوال العلماء تقريبًا للأفهام، وليعلم كل دارسٍ لكتاب الأخضري من التلاميذ في المدارس الإسلامية النهارية والليلية أنه كتاب مَن عرفه معرفةً جيدةً وحفظ ما فيه، أخذ بحظ وافر في الفقه فيما له علاقة بالطهارة والصلاة. لم أشتغل بذكر الأدلة كيلا يطول الكتاب، لأن مرادي التحليل.

وأخيرا أوصي إخواني الطلبة أن لا نضيع أوقاتنا فيما لا ينفعنا في الدارين، والإجتهاد في فهم ما صنَّفه العلماءُ لأن ذلك أفضل من الختم، وكثيرا ما نحب أن نختم الكتاب ولا نبالي هل فهمناه أم لا.

 

ترجمة الشيخ الأخضري

ذكر الدتور محمد بن عبد العزيز في تحقيق جوهر المكنون: هو أبو زيد عبد الرحمن بن أبي عبد الله الصغير بن محمد بن عامر الأخضري.

ولد سنة (٩٢٠هـ) في الجزائر. نشأ في بيتِ علمٍ وفقهٍ صلاحٍ. وبدأ التأليف في سِنٍّ مبكِّرةٍ قبل أن يبلغَ العشرين مِن عمره - ورغم أنه لم يعش سوى ثلاثةٍ وثلاثين عامًا في الراجح - إلا أن مؤلَّفاتِهِ تصل إلى حوالي ثلاثين مؤلَّفًا، منها: الجوهر المكنون، وهو نظم لتلخيص المفتاح للخطيب القزويني في البلاغة، وقد كتبه وهو ابن ثلاثين سنة. ومنها أيضا: شرح الجوهر المكنون.

الهدف

        والهدف الرئيسي في جمع هذا الكتاب تحليل بعض الكلمات الواردة في كتاب الأخضري بأقوال العلماء، ليكون سهلا لدى الطلاب عند التعلم، ويكون مساعدا للمدرسين في المدارس الإسلامية عند تعليم التلاميذ.

كلمة الشكر

الحمد لله الذي أتاحني الفرصة لجمع هذا الكتاب، وأصلي وأسلم على خير البرية أحمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأقدم الشكر الجزيل لعلمائي الذين طالعوه ثم أجازوا فيه، فجزاهم الله خير. ومنهم: الشيخ عثمان بن الشيخ إبراهيم مَيْ كشنه، والشيخ عثمان حسن الإمام، وأستاذي نور الدين عثمان عميد كلية شيما للدراسات العربية والإسلامية، والدكتور عليُّ إبراهيم قُوفَرْ سَوْرِ.

 

 

 

 

مقدمة كتاب الأخضري

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن أحسن الظن بهم إلى يوم الدين.

قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ) مَنْ هُوَ الْمُكَلَّفُ؟

        فَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ، الْعَاقِلُ، سَلِيمُ الْحَوَاسِّ، الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ. كَمَا قَالَ الْبَاجُورِي. فَالصَّبِيُّ لَا يُعَدُّ مُكَلَّفًا، وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْعَمَى وَالصَّمَمُ بِأَنْ لَا يَرَى بِعَيْنَيْهِ وَلَا يَسْمَعُ بِأُذْنَيْهِ، وَمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَانٍ لَمْ يَصِلِ الْإِسْلَامُ إِلَيْهِ. فَلَا يُسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْمَعَاصِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ يُسْأَلُ وَيُجْزَى بِمَا عَمِلَهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) سورة الإسراء: ١٥

وَقَوْلُهُ: (تَصْحِيحُ إِيمَانِهِ) كَيْفَ يُصَحِّحُ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ؟

        يُصَحِّحُ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ بِالْإِعْتِقَادِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِينَ قِيلَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ۝ اللهُ الصَّمَدُ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ۝ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ۝)سورة الإخلاص. وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَجَاءُوا بِكُتُبٍ أَعْظَمُهَا الْقُرْآنُ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ لِلهِ عِبَادًا خَلَقَهُمْ مِنْ نُورٍ يُسَمُّونَ بِــ (الْمَلَائِكَةِ) (لَا يَعْصُونُ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) سورة التحريم:٦. وَمَنِ اعْتَقَدَ بِأَنَّهُمْ إِنَاثٌ كَفَرَ وَمَنْ قَالَ ذُكُورٌ فَسَقَ وَمَنْ قَالَ خَنَاثَى، أَوْلَى بِالْكُفْرِ كَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِي. وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا تَفْنَى وَيَبْعَثُ اللهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ، وَيُؤْمِنُ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَيْرٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ سُوءٍ ابْتِلاَءٌ مِنَ اللهِ. وَلَا يُؤْمِنُ بِقَوْلِ سَاحِرٍ وَلَا جِنِّيٍّ لِكَذِبِهِمْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَاْلجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا۝ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَاٍل مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) سورة الجن:٥-٦

وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا يُصْلِحُ بِهِ فَرْضَ عَيْنِهِ) مَاُ هُوَ الْفَرْضُ وَالْفَرْضُ الْعَيْنِ؟

        الْفَرْضُ/الْوَاجِبُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ حَتْمًا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ. وَقَدْ قَسَّمَهُ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ جِهَةِ الْمَطَالِبِ لِأَدَائِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: (١)ـ الْوَاجِبُ الْعَيْنِي (٢)ـ الْوَاجِبُ الْكِفَائِي.

        فَالْوَاجِبُ الْعَيْنِي هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَاجْتِنَابِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ. فَبِسَبَبِ كَوْنِهَا وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَهَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبْطِلَاتِ وَالْكَيْفِيَّةِ. هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا يُصْلِحُ بِهِ فَرْضَ عَيْنِهِ)  فذكر شيئا من فرائض الأعيان بقوله: (كَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ).

        و الْوَاجِبُ الْكِفَائِي هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ لَا مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ الْإِثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْقَضَاءِ وَالطِّبِّ وَبِنَاءِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَغَيْرِهَا.

وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَيَقِفَ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ)

إِذَا صَحَّحَ الْمُكَلَّفُ إِيمَانَهُ وَشَرَعَ فِي تَعَلُّمِ أَحْكَامَ الْفِقْهِ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ تعالى حَدَّ حُدُودًا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا يَقْرَبْ حُدُودَ اللهِ وَلَا يَفْعَلْ مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. يُطِيعُ اللهَ فِيمَا أَمَرَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَجْتَنِبَ الْمَعَاصِي.

        قَالَ ابْنُ فُودِي: "وَفِي شِعْبِ الْإِيمَانِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَلِيلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُضْرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللهِ أَوْصِنِي. قَالَ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ".

وَقَوْلُهُ: (وَيَتُوبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْخَطَ عَلَيْهِ) قَالَ تَعَالَى (وَمَنْ يَحْلُلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى* وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) سورة طه: ٨٢ (وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ: [١] النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ [٢]ـ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى ذَنْبٍ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمُرِهِ [٣]ـ وَأَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ فِي سَاعَتِهَا إِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّوْبَةَ وَلَا يَقُولَ حَتَّى يَهْدِيَنِي اللهُ فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَةِ الشِّقَاءِ وَالْخِذْلَانِ وَالطَّمْسِ الْبَصِيرَةِ)

        فِي هَذَا حَثُّ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللهِ بِالطَّاعَةِ وَالتَّبَاعُدِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ. وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي كُلِّ حِينٍ. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَالْبَوَاعِثُ عَلَيْهَا سَبْعَةٌ: خَوْفُ الْعِقَابِ وَرَجَاءُ الثَّوَابِ وَالْخَجْلِ مِنَ الْحِسَابِ وَمَحَبَّةُ الْحَبِيبِ وَمُرَاقَبَةُ الرَّقِيبِ الْقَرِيبِ وَتَعْظِيمُ الْمَقَامِ وَشُكْرُ الْإِنْعَامِ.

        وَقَالَ أَيْضًا: تَنْقَسِمُ الذُّنُوبُ أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ: ذُنُوبٌ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيَنَ الْعَبْدِ.......وَذُنُوبٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ النَّاسِ.

        فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شُرُوطُ التَّوْبَةِ فِيهِ؛ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَشُرُوطُ التَّوْبَةِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ الرَّابِعُ: وَهُوَ رَدُّ الْمَظَالِمِ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ وَإِرْضَاءُ الْخَصُومِ. وَهِيَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الدِّمَاءِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ.

وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ لِسَانِهِ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَأَيْمَانِ الطَّلَاقِ وَانْتِهَارِ الْمُسْلِمِ وَإِهَانَتِهِ وَسَبِّهِ وَتَخْوِيفِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ). هَذَا تَحْذِيرٌ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ بِاللِّسَانِ.

        وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جُزَيٍّ الْمُنْهِيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِاللِّسَانِ وَهِيَ عِشْرُونَ: الْغِيبَةُ وَهِيَ حَرَامٌ إِلَّا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ : التَّظَلُّمُ، وَالْإِسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَالْإِسْتِفْتَاءُ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالتَّعْرِيفُ بِشَخْصٍ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ كَالْعَمَى، وَمُجَاهِرًا بِالْفِسْقِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي نِكاَحٍ، وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ، وَإِذَا كَانَ الْقَائِلُ وَالْمَقُولُ لَهُ عَالِمَيْنِ بِمَا يَجْرِي. وَالْبُهْتَانُ، وَالْكَذِبُ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالسُّخْرِيَةُ، وَإِطْلَاقُ مَا لَا يَحِلُّ إِطْلَاقُهُ لِلَّهِ وَالرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّحَابَةِ، وَكَلَامُ الْعَوَامِّ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَالسِّحْرُ، وَالْفُحْشُ، وَالْغِنَاءُ، وَالْمَدْحُ، وَكَلَامُ ذِي الْوَجْهَيْنِ، وَتَزْكِيَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ، وَالْكَذِبُ فِي الْوَعْدِ، وَالْجِدَالُ، وَذَمُّ الْأَشْيَاءِ كَالْأَطْعِمَةِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَالنَّمِيمَةُ.

        وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدُ بَلّو بْنُ الشَّيْخِ عُثْمَانَ بْنِ فُودِي: فَمِنْ مَرَضِ الْأَقْوَالِ إِلْتِزَامُ قَوْلِ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأَمْرَاضِ. وَدَوَاؤُهُ مَعْرِفَةُ الْمَوَاضِعِ الّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ فِيهَا، فَإِنَّ الْغِيبَةَ حَقٌّ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَالنَّمِيمَةَ حَقٌّ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ مَعَ أَهْلِهِ فِي فِرَاشِهِ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهَا فَيَقُولُ فِي ذَلِكَ حَقٌّ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَلَإِ حَقٌّ وَهِيَ فَضِيحَةٌ، لَا تَقَعُ إِلَّا مِنَ الْجُهَلَاءِ....وَمِنْهَا السُّؤَالُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ وَمَا يَفْعَلُونَهُ : لِمَا جَاءَ فُلَانٌ؟ وَلِمَا مَشَى فُلَانٌ؟

وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ بَصَرِهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُسْلِمٍ بِنَظْرَةٍ تُؤْذِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَيَجِبُ هِجْرَانُهُ) قَدْ حَذَّرَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْ نَظْرِ الْمُحَرَّمِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَوْرَاتِ. وَالنَّظْرُ الَّذِي يَضُرُّ بِهِ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَاسِقًا فَالْوَاجِبُ هُنَا هِجْرَانُهُ وَتَرْكُ مُصَاحَبَتِهِ.

وَقَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ جَمِيعِ جَوَارِحِهِ مَا اسْتَطَاعَ)

قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "وَأَمَّا الْجَوَارِحُ فَهِيَ أَعْضَاءٌ سَبْعَةٌ كَمَا نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ:

تَجْنِي عَلَى الْإِنْسَانِ سَبْعُ جَوَارِحُ # فَيَا لَيْتَ لَمْ تُخْلَقْ وَلَا هُوَ يُولَدُ

لِسَــانٌ وَرِجْلٌ ثُمَّ سَمْعٌ وَنَــاظِــرٌ # وَبَطْنٌ وَفَرْجٌ ثُمَّ سَابِعُـــهَا الْيَدُ

وَقَالَ أَيْضًا: وَهِيَ سَبْعَةٌ وَأَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعَةٌ فَمَنْ عَصَى اللهَ بِجَارِحَةٍ مِنْهَا فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أُغْلِقَ عَنْهُ بَابًا وَبِالْجَمِيعِ تُغْلَقُ عَنْهُ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا".

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدُ بَلّو: "وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَ أُذْنَهُ مِنِ اسْتِمَاعِ كُلِّ لَغْوٍ وَبَاطِلٍ. وَأَنْ يَحْفَظَ عَيْنَهُ مِنَ النَّظْرِ إِلَى الْحَرَامِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ. وَأَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ مِنَ الْغِيبَةِ وَكُلِّ مَا لَا يَجُوزُ وَالتَّحَدُّثِ بِالبَاطِلِ وَالْفُحْشِ وَالنَّمِيمَةِ. وَأَنْ يَحْفَظَ يَدَيْهِ مِنَ السَّرِقَةِ بِهِمَا وَغَيْرِهَا. وَأَنْ يَحْفَظَ الْبَطْنَ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ. وَأَنْ يَحْفَظَ الْعَوْرَةَ مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ. وَأَنْ يَحْفَظَ رِجْلَيْهِ مِنْ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ وَمِنَ الْمَشْيِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ".

        وَدَعَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيهَا بِقَوْلِهِ: أَعَانَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ عَلَى رِعَايَةِ وَدَائِعِهِ.

وَقَوْلُهُ: (وَأَنْ يُحِبَّ لِلَّهِ وَيَبْغُضَ لَهُ).

        الْمُرَادُ بِذَلِكَ حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ وَبُغْضُ الْكَافِرِينَ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَهْوَاءِ. فَمَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَكَذَا أَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْأَوْلِيَاءَ، وَمَنَ أَحَبَّ وَالِدَيْهِ وَأَشْفَقَ عَلَيْهِمَا فَقَدْ أَحَبَّ لِلَّهِ. وَمَنْ أَحَبَّ كَافِرًا عَدُوًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ لَاعِبِي كُرَةِ الْقَدَمِ أَوِ الْمُصَارِعِينَ أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدْ أَحَبَّهُمْ لِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ لَا لِلَّهِ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يُحِبَّ لِلَّهِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) سورة الممتحنة:١

وَقَوْلُهُ: (وَيَرْضَى لَهُ وَيَغْضَبَ لَهُ)

        الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَرْضَى بِالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَغْضَبَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا السَّيِّئَاتِ. فَمَنْ غَضِبَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَقَدْ غَضِبَ لِلَّهِ، وَفِي قِصَّةٍ مِنْ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ، أَنَّ رَجُلًا نَوَى قَطْعَ شَجَرَةٍ تُعْبَدُ غَضَبُا بِالْمَعْصِيَةِ، فَكَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ. فَتَلَقَّاهُ الشَّيْطَانُ بِصُورَةِ آدَمِيٍّ وَاسْتَرْضَاهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَضِيَ. فَكَانَ رِضَاهُ لِغَيْرِ اللهِ. ثُمَّ أَخْلَفَ الشَّيْطَانُ وَعْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَغَضِبَ الرَّجُلُ فَقَامَ لِقَطْعِ الشَّجَرَةِ فَصَارَ الْغَضَبُ لِغَيْرِ اللهِ. وَكَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (قَالَ إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ* فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) سزرة طه: ٨٥-٨٦

وَقَوْلُهُ: (وَيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيْنَهى عَنِ الْمُنْكَرِ)

        وَالْمُرَادُ هُنَا الْوَعْظُ وَالْإِرْشَادُ، وَهُوَ وَاجِبٌ كِفَائِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) سورة آل عمران:١٠٤ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ سَقَطُوا جَمِيعًا فِي الْمَأْثَمِ. وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَإِرْشَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَيْثُ قَالَ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) سورة آل عمران: ١١٠

        وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ أَقْوَالًا فِي ذَلِكَ مِنْهَا: قَوْلُ الرَّسُولِعَلَيْهِ الصَّلَاُة وَالسَّلَاُم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرًنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ). وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وِشَنَآنُ الْفَاسِقِ). وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلَّطَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ظَالِمًا، لَا يَجِلُّ كَبِيرَكُمْ وَلَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ وَيَدْعُو خِيَارُكُمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَمِيرُ الْعَادِلُ الَّذِي يُعَدُّ خَامِسَ خُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ وَلَكِنْ إِذَا أُظْهِرَتِ الْمَعَاصِي فَلَمْ يُنْكِرُوا فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْقَوْمُ الْعُقُوبَةَ.

        وَاعْلَمْ أَنَّ الْآمِرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ يَحْتَاجُ إِلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:

١ـ الْعِلْمُ بِالْمَوْضُوعِ    ٢ـ الْإِخْلَاصُ   ٣ـ لِينُ الْجَانِبِ وَالتَّوَدُّدِ ٤ـ الصَّبْرُ      ٥ـ الْعَمَلُ بِمَا يَأْمُرُ وَالتَّرْكُ لِمَا يَنْهَى عَنْهُ.

        ثُمَّ اسْتَمَرَّ الشَّيْخُ بِذِكْرِ بَعْضًا مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَطْنِ وَالْبَصَرِ وَالْفَرْجِ وَالْبَدَنِ وَالْقَلْبِ فَقَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ:

١ـ الْكَذِبُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: حَرَامٌ إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ إِنِ اضْطُرَّ لِلْكَذِبِ فِيهِ، وَالْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ، وَكَذِبِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّعْرِيضُ لَا التَّصْرِيحُ بِالْكَذِبَ، وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ كَمَنْ اخْتَفَى عِنْدَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَيَجْحَدُهُ.

٢ـ وَالْغِيبَةُ: َقالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضًا) سزرة الحجرات:١٢. وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: وَالْمُسْتَمِعُ  لَهَا كَقَائِلِهَا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَنْهَى الْفَاعِلَ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ.

فَيَجِبُ عَلَى فَاعِلِهَا التَّوْبَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْغِيبَةُ.

٣ـ وَالنَّمِيمَةُ:  قالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

        قَالَ النَّوَوِي: فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ. وَقَالَ: وَكُلُّ مَنْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ النَّمِيمَةُ لَزِمَهُ سِتَّةُ أُمُورٍ:

١ـ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ النَّمَامَ فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مَرْدُودٌ خَبَرُهُ.   

٢ـ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْصَحَهُ.                ٣ـ أَنْ يَبْغُضَهُ فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللهِ...

٤ـ أَنْ لَا يَظُنَّ بِالْمَنْقُولِ عَنْهُ السُّوءَ.   ٥ـ أَنْ لاَ يَحْمِلَ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ عَنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ. قالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَجَسَّسُوا) ٦ـ أَنْ لَا يَحْكِى النَّمِيمَةَ عَنْهُ.

٤ـ وَالْكِبْرُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِي: هُوَ بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ الْخَلْقِ.

٥ـ وَالْعُجُبُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِي: هو رؤية العبادة واستعظمتها كما يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه. فهذا حرام غير مفسد للطاعة. وقال إنما حرم العجب لأنه سوء أدب مع الله تعالى إذ لا ينبغي للعبد أن يستعظم ما يتقرب به لسيده بل يصغره بالنسبة إلى عظمة سيده ولا سيما عظمته سبحانه وتعالى. اهـ

٦ـ والرياء: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِي: أَنْ يَعْمَلَ الْقُرْبَةَ لِيَرَاهُ النَّاسُ. وَقَالَ أَيْضًا وَالرِّيَاءُ قِسْمَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ.

        فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَفْعَلَ الطَّاعَةَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لَا غَيْرَ. فَإِنْ خَلَا بِنَفْسِهِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَمْ لَا، لَكِنْ يَفْرَحُ عِنْدَ حُضُورِهِمْ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عِيَاضٍ: فَمَنْ عَزَمَ عَلَى عِبَادَةٍ فَتَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ فَهُوَ مُرَّاءٌ، إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا لِيَفْعَلَهَا فِي الْخَلْوَةِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ.

٧ـ وَالسُّمْعَةُ: وَتُسَمَّى التَّسْمِيعُ، فَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ وَحْدَهُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ لِأَجْلِ تَعْظِيمِهِمْ لَهُ أَوْ لِجَلَبِ خَيْرٍ مِنْهُمْ أَوْ مَنْفَعَةٍ.

٨ـ وَالْحَسَدُ: وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ تَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا، بِأَنْ تَمَنَّى انْتِقَالَهَا عَنْ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ.

٩ـ وَالْبُغْضُ: قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: هُوَ أَنْ يُبْغِضَ النَّاسَ لِمَا يَرَى لَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ وَلَيْسَ هُوَ فِي دَرَجَتِهِمْ.

١٠ـ وَرُؤْيَةُ الْفَضْلِ عَلَى الْغَيْرِ: قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: فِي عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ رِفْعَةٍ أَوْ مَكَانَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُورِثُ النَّفْسَ عُتُوًّا، وَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ إِبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي الْحَسْرَةِ.

١١ـ وَالْهَمْزُ: هُوَ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ.

١٢ـ وَاللَّمْزُ: هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْغَيْرِ بِالْعَيْنِ أَوِ الرَّأْسِ أَوِ الشَّفَةِ مَعَ كَلَامٍ خَفِيٍّ.

١٣ـ وَالْعَبَثُ: هُوَ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ، كَلَعِبِ الشَّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ. وَمِنْهَا الْوَرَقُ وَالنَّرْدُ، إِلَّا الْفَرَسَ وَالْقَوْسَ وَالزَّوْجَةَ. قالَ اللهُ تَعَالَى (لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) أنبياء

١٤ـ وَالسُّخْرِيَةُ: هِيَ أَنْ يَرَى غَيْرَهُ حَقِيرًا فَيَعْبَثُ بِهِ أَيْ يَسْتَهْزِئُ بِهِ، كَالْعَمَى أَوِ السُّرْعَةِ فِي الْمَشْيِ وَالْكَلَامِ أَوِ الْعَرَجِ وَ غَيْرِهَا.

١٥ـ وَالزِّنَا: وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. فَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً قَبْلَ عَقْدِ نِكَاحٍ وَلَوْ بَعْدَ الصَّدَاقِ فَهُوَ زَانٍ.

١٦ـ وَالنَّظْرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ: فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَيَحْرُمُ النَّظْرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِمَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْإِلْتِذَاذَ.

١٧ـ وَالتَّلَذُّذُ بِكَلَامِهَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْهَاتِفِ أَوْ غَيْرِهِ.

١٨ـ وَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ: وَهُوَ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْمَيْسِرِ وَالْخَدِيعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

١٩ـ وَالْأَكْلُ بِالشَّفَاعَةِ: مِثْلُ مُسَاعَدَةِ الصَّادِقِ فِي الْمَحْكَمَةِ.

٢٠ـ أَوْ بِالدِّينِ: كَمَنْ يَأْتِي لِلنَّاسِ يُظْهِرُ الصَّلَاحَ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ أَوِ الْمَدَارِسِ أَوِ الْحَفَلَاتِ الدِّينِيَّةِ فَيَسْتَعْمِلُ تِلْكَ الْفُرْصَةَ يَسْتَأْكُلُ بِهَا

٢١ـ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا: بِلَا عُذْرٍ وَلَيْسَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ عُذْرًا. وَمِنَ الْأَعْذَارِ النَّوْمُ وَالنِّسْيَانُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصِّبَا وَالْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ.

        قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: "فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ بِأَنْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوِ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَّا مِقْدَارَ الطَّهَارَةِ سَقَطَتْ عَنْهُمُ الصَّلَاةُ. وَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ سَقَطَتْ، إِلَّا النَّوْمَ وَالنِّسْيَانَ فَلَا يُسْقِطَانِ الصَّلَاةَ إِنْ حَصَلَا فِي وَقْتِهَا"

وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ صُحْبَةُ فَاسِقٍ وَلَا مُجَالَسَتَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ)

وَالْفَاسِقُ هُوَ الَّذِي يُجَاوِزُ حُدُودَ الشَّرْعِ. فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يُصَاحِبَهُ وَلَا يُجَالِسَهُ فِي مَجْلِسٍ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَأَنْ يَكُونَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ فِي الْمَدْرَسَةِ أَوْ مَسْكَنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا غَيْرَهُ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَطْلُبُ رِضَا الْمَخْلُوقِينَ بِسَخَطِ الْخَالِقِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : [وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ] وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) قالَ اللهُ تَعَالَى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَإِنٌّ بِالْإِيمَانِ) سورة النحل: ١٠٦

        قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: أَيْ لَا يَتْبِعُ أَغْرَاضَهُمُ طَمَعًا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ فِي أَمْرٍ يُوجِبُ سُخْطَ اللَّهِ .

        وَمِنْ ذَلِكَ التَّدَاوِي بِحَرَامٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ دَوَاءً لِعِلَّةٍ بِهِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ الطَّبِيبُ بِشُرْبِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ  وَالْمُحَرَّمَاتِ أَوْ خَلْطِ آيَةٍ بِنَجِسٍ كَالدَّمِ وَغَيْرِهَا.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَيَسْأَلُ الْعُلَمَاءَ)

        يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مِنَ الْعِبَادَاتِ أَوِ الْمًعَامَلَاتِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، فَيَعْلَمَ مَشْرُوعِيَّةَ الْأَمْرِ وَفَرَائِضَهُ وَسُنَنَهُ وَمَنْدُوبَاِتهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ  وَمَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهَا. وَيَجْتَهِدُ فِي سُؤَالِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْأَحْكَامِ قالَ اللهُ تَعَالَى (فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)سورة الأنبياء

وَقَوْلُهُ: (وَيَقْتَدِيَ بِالْمُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ ــ سَيِّدِنَا ــ مُحَمَّدٍ  الَّذِينَ يَدُلُّونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَيُحَذِّرُونَ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ)

        هَذَا تَحْذِيرٌ مِنِ اتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ شَغَفَهُمْ حُبُّ الدُّنْيَا وَالْمُرَّاءُونُ بِعِلْمِهِمْ. وَمِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ مَنْ يُزَكِّي نَفْسَهُ قالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) سورة النجم. وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ أَيْنَمَا وَجَدَهُ وَلَا يُبَالِي بِحَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ الْمُفْلِسُونَ الَّذِينَ ضَاعَتْ أَعْمَارُهُمْ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَاَلى)

        وَالْمُفْلِسُونَ جَمْعٌ وَمُفْرَدُهُ ‘الْمُفْلِسُ‘.قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: وَحَسْبُكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ "إِنَّمَا الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِذَا نَفِدَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِىَ مَا عَلَيْهِ أُخَذَ مِنْ خَطَاَياهُمْ وَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْرَحُ فِي النَّارِ. فَهَذَا هُوَ الْمُفْلِسُ". قالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) سورة طه

        لِهَذَا حَذَّرَ الشَّيْخُ الْأَخْضَرِيُّ مِنِ اجْتِمَاعِ الْحَسَنَاتِ وَالظُّلْمِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ كَيْلَا يَقَعَ عَلَيْهِ الْإِفْلَاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لِذَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِي: "يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُرَى إِلَّا مُحَصِّلًا حَسَنَةً لِمَعِادِهِ". ثُمَّ اخْتَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ (فَيَا حَسْرَتَهُمْ وَيَا طُولَ بُكَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ثُمَّ دَعَا فَقَالَ: (نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِاتَّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) آمِينَ

 

 

 

 

 

فَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ. فَالْمَعْنَوِيَّةُ طَهَارَةُ الْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ. وَالْحِسِّيَّةُ هِيَ الْفِقْهِيَّةُ الَّتِي تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ: طَهَارَةُ حَدَثٍ وَطَهَارَةِ خَبَثٍ"

فَلِكَونِ الْأَخْضَرِيّ يَجْرِي وَرَاءَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله: (الطهارة قسمان: طهارة حدث وطهارة خبث). قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ : "فَطَهَارَةُ الْحَدَثِ ثَلَاثٌ: كُبْرَى هِيَ الْغُسْلُ وَصُغْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ وَبَدَلٌ مِنْهُمَا عِنْدَ تَعَذُّرِهِمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ. وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ ثَلَاثٌ: غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَنَضْحٌ". وَقَالَ: "فَالنَّضْحُ لِلَّثْوِب إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ....وَالْمَسْحُ فِيمَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ كَالسَّيْفِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ، وَالْغَسْلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ".

ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَلَا يَصِحُّ الْجَمِيعُ إِلَّا بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ الْمُطَهِّرِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا)

يَعْنِي لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ وَإِزَالَةُ نَجَاسَةٍ مِنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ إِلَّا بِمَاءٍ لَمْ تُغَيِّرْهُ صَنْعَةُ آدَمِيٍّ، فَلَوِ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يُجِزْهُ.

وَقَدْ قَسَّمَ ابْنُ جُزَيٍّ الْمِيَاهِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَهِيَ:

١ـ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، كَمَاءِ الْبَحْرِ وَالْمَطَرِ وَالْبِئْرِ عَذْبًا كَانَ أَوْ مَالِحًا.     ٢ـ مَا خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ.

٣ـ مَا خَالَطَهُ شَيْءٍ نَجِسٌ.     ٤ـ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْوُضُوءُ أَوِ الْغُسْلِ.  ٥ـ الْمَاءُ الَّذِي نُبِذَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ غَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: سُؤْرُ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ طَاهِرٌ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ ـــ الإمام مالك والشافعي ـــ . وَقَالَ: فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ وُلُوغِهِ فِي الْمَاءِ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ....وَفِي غَسْلِهِ سَبْعًا مِنَ الْوُلُوغِ فِي الطَّعَامِ قَوْلَانِ. وَقَالَ: فِي سُؤْرِ مَا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ كَالْهِرِّ وَالْفَأْرِ، فَإِنْ رُئِيَ فِي أَفْوَاهِهَا نَجَاسَةٌ كَانَ الْمَاءُ كَالَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةُ أَفْوَاهِهَا فَطَاهِرٌ. وَ فِي الْإِرْشَادِ: إِلَّا مَا يَتَنَاوَلُ النَّجَاسَةَ فَيُكْرَهُ.

        ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ بِقَوْلِهِ (كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالدَّسَمِ ـ وَهُوَ دُهْنُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ ـ كُلِّهِ وَالْوَذَحِ ـ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْوَافِ الْغَنَمِ مِنَ الْبَعْرِ وَالْبَوْلِ ـ وَالصَّابُونِ وَالْوَسَخِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا فَكُلَّمَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِسَبَبِ وَاحِدٍ مِنْهَا سَلَبَهُ الطُّهُورِيَّةَ وَأَلْبَسَهُ حُكْمَهُ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالتُّرَابِ وَالْحَمْأَةِ وَالسَّبِخَةِ وَالْآجُرِّ وَنَحْوِهِ)

        الْحَمْأَةُ\الْحَمَأُ: الطِّينُ الْأَسْوَدُ الْمُنْتِنُ، يُقَالُ: حَمِئَ الْمَاءُ: كَثُرِ فِيهِ الْحَمْأَةُ فَتَكَدَّرَ وَتَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ. وَفِي السَّبِخَةِ يُقَالُ: سَبِخَتِ الْأَرْضُ: إِذَا كَانَتْ ذَاتِ نِزٍّ وَمِلْحٍ. وَالْآجُرُّ: طِينٌ مِنَ التُّرَابِ الْأَحْمَرِ يُعْجَنُ وَيُوضَعُ فِي قَوَالِبِ مُسْتَطِيلَةٍ وَيُشْوَى.

        قَالَ خَلِيلُ :إِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إِنَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ بِالثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ.

          قَالَ الْعَسْكَرِيّ: "وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ فِي بِئْرٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَجَبَ نَزْحُهُ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ فَإِنْ زَالَ بِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ إِلَى أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِسْتُحِبَّ النَّزْحُ بِحَسَبِ الْمَاءِ وَالْمَيْتَةِ. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: إِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَائِعٍ تَنَجَّسَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي سِمْنٍ ذَائِبٍ فَمَاتَتْ فِيهِ طُرِحَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا طُرِحَتْ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا خَاصَّةً ، قَالَ سَحْنُونُ إِلَّا أَنْ يَطُولَ مَقَامُهَا فِيهِ".

فَصْلٌ فِي النَّجَاسَةِ

قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِذَا تَعَيَّنَتِ النَّجَاسَةُ) مَا هِيَ النَّجَاسَاتُ؟

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "النَّجَاسَاتُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ : بَوْلُ ابْنُ آدَمَ الْكَبِيرِ، وَرَجِيعُهُ، وَالْمَذْيُ، وَالْوَدْيُ، وَلَحْمُ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَعَظْمُهُمَا، وَجِلْدُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ إِنْ لَمْ يُدْبَغْ، وَمَا قُطِعَ مِنَ الْحَيِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إِلَّا الشَّعْرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ـ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ ـ، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرَةِ، وَالْمُسْكِرُ، وَبَوْلُ الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ، وَرَجِيعُهُ، وَالْمَنِيُّ، وَالدَّمُ الْكَثِيرُ، وَالْقَيْحُ الْكَثِيرُ".

فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ حُكْمُ هَذِهِ النَّجَاسَاتِ إِذَا تَعَيَّنَتْ (غُسِلَ مَحَلُّهَا وَإِنِ الْتَبَسَتْ غُسِلَ الثَّوْبُ كُلُّهُ)

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ  وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَمَنْ صَلَّى بِهَا أَعَادَ إِنْ كَانَ ذَاكِرًا وَقَادِرًا". وَقَالَ: "يُرَخَّصُ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْإِحْتِرَازُ عَنْهَا أَوْ يَشُقُّ كَالْجُرْحِ وَالدُّمَّلِ  يَسِيلُ وَالْمَرْأَةِ تُرْضِعُ وَصَاحِبِ السَّلَسِ وَفِي إِمَامَتِهِمْ قَوْلَانِ. وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِأَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوْضِعَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ كُلِّهِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِهِ".

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ نَضَحَ)

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: إِزَالَة النَّجَاسَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ وَالنَّضْحُ. فَالنَّضْحُ لِلثَّوْبِ إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ. وَقَالَ الدردير:  وَإِنْ شَكَّ فِي إِصَابَتِهَا لِبَدَنٍ غُسِلَ وَلِثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ وَجَبَ نَضْحُهُ بِلَا نِيَّةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: تَحَقَّقَ إِنْسَانٌ نَجَاسَةَ شَيْءٍ وَشَكَّ هَلْ أَصَابَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَيْ هَلْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ كَالثَّوْبِ مَثَلًا أَوْ لَمْ يُصِبْهُ.

وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا نَضْحَ عَلَيْهِ)

          قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: تَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ وَشَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ. أَيْ دَارَ الشَّكُّ بَيْنَ نَجَاسَتِهِ وَعَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ.

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَذَكَّرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ إِلَّا أَنْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) فَيُتِمَّ صَلَاتَهُ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي الْأَعْذَارِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا وَتَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ)

          قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: "فَلَوْ دَخَلَ الصَّلَاةَ نَاسِيًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأَّمَّا لَوْ دَخَلَ الصَّلَاةَ عَالِمًا بِنَجَاسَةِ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِزَالَتِهَا يُعِيدُ أَبَدًا".

          قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: "وَمَنْ رَعَفَ مَعَ الْإِمَامِ خَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ بَنَى، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ. وَلَا يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ لَمْ تَتِمَّ بِسَجْدَتَيْهَا وَلْيُلْقِهَا. وَلَا يَنْصَرِفُ بِدَمٍ خَفِيفٍ وَلْيَفْلِتْهُ بِأَصَابِعِهِ. وَلَا يَبْنِي فِي قَيْءٍ وَلَا حَدَثٍ وَمَنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ. وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِهِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ وَسَلَّمَ. لِلَّراعِفِ أَنْ يَبْنِي فِي مَنْزِلِهِ إِذَا يَئِسَ. أَنْ يُدْرِكَ بَقِيَّةَ صَلاَةَ الْإِمَامِ".

          وَقَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقَاءَ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ. وَأَمَّا إِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ الْإِدْرَاكَ وَشَكَّ فِيهِ وَلَوْ بِتَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وُجُوبًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ صَوْتِ إِمَامِهِ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: أَنَّ الِإمَامَ إِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ سُنَّةَ تَشَهُّدِهِ سَلَّمَ، وَإِلَّا اسْتَخْلَفَ وَبَنَى ، وَإِنْ سَلَّمَ مُسْتَخْلِفُهُ قَبْلَ أَنْ يَمْشِيَ كَالصَّفَّيْنِ سَلَّمَ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَإِنْ أَخَذَ سُنَّةَ تَشَهُّدِهِ سَلَّمَ وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلِ بِبِنَائِهِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَقْطَعُ".

فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

          قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَرَائِضُ الْوُضُوءِ سَبْعٌ: النِّيَّةُ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالدَّلْكُ، وَالْفَوْرُ).

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ جَفَّ وُضُوءُهُ فَعَلَ مَا تَرَكَ خَاصَّةً.

وَقَوْلُهُ: (وَسُنَنُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالْإِسْتِنْشَاقُ، وَالْإِسْتِنْثَارُ، وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَسْحُ الْأُذْنَيْنِ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ).

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ تَرَكَ سُنَّةً نَاسِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَفَعَلَ مَا نَسِيَ لِمَا يَسْتَقْبِلُ ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فَهُوَ كَالنَّاسِي ، وَقِيلَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَهَاوُنِهِ.

          فَجَمَعَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْأَحْكَامَ فِي فَقْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ (وَمَنْ نَسِيَ فَرْضًا مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بِالْقُرْبِ) قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ وُضُوءُهُ (فَعَلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ) بِأَنْ جَفَّ الْوُضُوءُ (فَعَلَهُ وَحْدَهُ وَأَعَادَ مَا صَلَّى قَبْلَهُ. وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً فَعَلَهَا وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ . وَمَنْ نَسِيَ لُمْعَةً غَسَلَهَا وَحْدَهَا بِنِيَّةٍ وَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ أَعَادَ. وَمَنْ تَذَكَّرَ الْمَضْمَضَةَ وَالْإِسْتِنْشَاقَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْوَجْهِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا حَتَّى يُتِمَّ وُضُوءَهُ)

          ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَنْدُوبَاتِهَا، فَقَالَ: (وَفَضَائِلُهُ: التَّسْمِيَّةُ وَالسِّوَاكُ وَالزَّائِدُ عَلَى الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْبِدَايَةُ بِمُقَدِّمِ الرَّأْسِ وَتَرْتِيبُ السُّنَنِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى. عَلَى الْيُسْرَى)

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَإِنْ تَرَكَ فَضِيلَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

          ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَيَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَينِ وَيُسْتَحَبُّ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ. وَيَجِبُ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْكَثِيفَةِ ، وَيَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِي الْغُسْلِ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً).

وَقَوْلُهُ: (نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ) قِسْمَانِ: ١ـ (أَحْدَاثٌ) ٢ـ (وَأَسْبَابٌ).

(فَالْأَحْدَاثُ) خَمْسَةٌ وَهِيَ: (الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ)

          قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: "وَاتَّفَقُوا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى انْقِضَاءِ الْوُضُوءِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ وِالْوَدْيِ لِصِحَّةِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ خُرُوجُهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ".

وَقَوْلُهُ: (وَالْأِسْبَابُ: النَّوْمُ الثَّقِيلُ) طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا (وَالْإِغْمَاءُ) وَهِيَ فَقْدُ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ لِعَارِضٍ (وَالسُّكْرُ وَالْجُنُونُ وَالْقُبْلَةُ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ إِنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ) وَجَدَهَا أَمْ لَا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ اللَّذَّةِ (أَوْ وَجَدَهَا) بِغَيْرِ قَصْدٍ كَالطَّبِيبِ يُدَاوِي امْرَأَةً أَوْ مُعِينٌ يُنْقِذُ امْرَأَةً مِنْ حَرِيقٍ أَوْ فَيْضَانٍ (وَمَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ)

          وَمِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ: الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ، بِأَنْ شَكَّ فِي السَّابِقِ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، أَوْ شَكَّ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسْوِسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

(وَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنَ الْمَذْيِ وَلَا يَغْسِلُ الْأُنْثَيَيْنِ) ثُمَّ وَصَفَ الْمَذّيَ، وَقَالَ: (وَالْمَذْيُ هُوَ الْمَاءُ) الْأَبْيَضُ رَقِيقٌ (الْخَارِجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ الصُّغْرَى بِـ) سَبَبِ (تَفَكُّرٍ أَوْ نَظْرٍ أَوْ غَيْرِهِ)

فَصْلٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُتَوَضُّئِ

          قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ مُتَوَضُّئٍ صَلَاةٌ وَلَا طَوَافٌ وَلَا مَسُّ نُسْخَةِ الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ وَلَا جِلْدِهَا، لَا بِيَدِهِ وَلَا بِعُودٍ وَنَحْوِهِ)، قَالَ خَلِيلُ: "إِلَّا بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ وَإِنْ عَلَى كَافِرٍ". أَيْ لَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ إِنْ كَانَ فِي مَتَاعٍ تُحْمَلُ إِلَى مَكَانٍ، فَيَحْمِلُهَا وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، لِأَنَّهُ حَامِلُ مَتَاعٍ لَا حَامِلُ قُرْءَانٍ. (إِلَّا الْجُزْءَ مِنْهَا الْمُتَعَلَّمَ فِيهِ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي يُتَعَلَّمُ بِهِ (وَلَا مَسُّ لَوْحِ الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ إِلَّا لِمُتَعَلِّمٍ فِيهِ أَوْ مُعَلِّمٍ يُصَحِّحُهُ)

          ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ (وَالصَّبِيُّ فِي مَسِّ الْقُرْءَانِ كَالْكَبِيرِ وَالْإِثْمُ عَلَى مُنَاوِلِهِ لَهُ. وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ الْوُضُوءِ عَامِدًا فَهُوَ كَافِرٌ) إِنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا أَوِ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا كَسَلًا (وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ).

          وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ الْجَمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ مُتَوَضُّئٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْءَانَ وَيَذْكُرُ اللَّهَ.

فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: أَنْوَاعُ الْغُسْلِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ. فَالْوَاجِبُ: مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِسْلَامِ. وَالسُّنَّةُ: الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ؛ وَأَوْجَبَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَلِلْعِيدَيْنِ، وَلِلْإِحْرَامِ بِالْحَجُّ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ: الْغُسْلُ لِلْطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ دَمِ الْإِسْتِحَاضَةِ وَاغْتِسَالٌ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ.

          لِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ (يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسِ. فَالْجَنَابَةُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَحَكِّ الْجَسَدِ وَالْإِغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ أَوْ بِأَمْرٍ مُؤْلِمٍ كَالضَّرْبِ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ (وَالثَّانِي مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ) لِآدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ.

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَنِيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "وَأَمَّا الْإِحْتِلَامُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي النَّوْمِ، مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ إِجْمَاعًا. وَلَا يَجِبُ مِنَ الْإِحْتِلَامِ دُونَ الْإِنْزَالِ اجْمَاعًا".

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا يَابِسًا لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَهُ إِغْتَسَلَ وَأَعَادَ مَا صَلَّى مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ)

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَلَوْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ إِحْتِلَامًا وَشَكَّ فِي زَمَنِ خُرُوجِهِ فَإِنْ كَانَ طَرِيًّا أَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ أَقْرَبِ نَوْمَةٍ نَامَهَا، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَعَادَ مِنْ أَوَّلِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَقِيلَ مِنْ أَقْرَبِ نَوْمَةٍ. وَالْأَخِيرُ هُوَ مَذْهَبُ الْأَخْضَرِي.

فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

          قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَرَائِضُ الْغُسْلِ: النِّيَّةُ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وِالْفَوْرُ، وَالدَّلْكُ، وَالْعُمُومُ) فَيَجِبُ عَلَى الْمُغْتَسِلِ أَنْ يَنْوِيَ نَوْعَ الْغُسْلِ الَّذِي يُرِيدُ جُنُبًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَفْعَلُ الْغُسْلَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ وَيُدَلِّكُ، وَلْيَتَحَقَّقْ بِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ أَوْعَبَ جِسْمَهُ. وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ كَثِيفَةً كَانَتْ أَوْ خَفِيفَةً.

          ثُمَّ قَالَ (وَسُنَنُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ كَالْوُضُوءِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالْإِسْتِنْشَاقُ، وَالْإِسْتِنْثَارُ، وَغَسْلُ صِمَاخِ الْأُذْنَيْنِ) ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِهَا بِقَوْلِهِ (وَهِيَ الثُّقْبَةُ الدَّاخِلَةُ فِي الرَّأْسِ وَأَمَّا صَحْفَةُ الْأُذْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا)

          ثُمَّ ذَكَرَ الْفَضَائِلَ (وَفَضَائِلُهُ: الْبِدَايَةُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ الذَّكَرِ، فَيَنْوِي عِنْدَهُ ثُمَّ أَعْضَاء الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ أَعْلَى جَسَدِهِ، وَتَثْلِيثُ غَسْلِ الرَّأْسِ، وَتَقْدِيمُ شَقِّ جَسَدِهِ الْأَيْمَنِ، وَتَقْلِيلُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعَضَاءِ) فَهَذِهِ فَضَائِلُ الْغُسْلِ وَانْدَمَجَ فِيهَا كَيْفِيَّةَ الْغُسْلِ. وَيَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إِدْخاَلِهِمَا فِي الْإِنَاءِ.

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "فُرُوعٌ خَمْسَةٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ، يَجِبُ أَنْ يَتَفَقَّدَ مَوَاضِعَ الْخَفِيَّةِ كَتَحْتَ الذَّقَنِ وَالْإِبْطَيْنِ وَأُصُولَ الْفَخِذَيْنِ وَتَحْتَ الرُّكْبَتَيْنِ وَعُمْقَ السُّرَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. الْفَرْعُ الثَّانِي، مَنِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَثْنَاءَ غُسْلِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْوِيهِ أَمْ لَا. الْفَرْعُ الثَّالِثُ، يُجْزِئُ الْحَائِضَ الُجُنُبَ غُسْلٌ وَاحِدٍ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَتَنُوبُ نِيَّةُ الْغُسْلِ عَنِ الْوُضُوءِ لِدُخُولِهِ تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. الْفَرْعُ الْرَّابِعُ، إِذَا اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ فَفِي ذَلِكَ صُوَرٌ. الْأُولَى أَنْ يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَيَتْبَعُهَا الْجُمُعَةَ لِيَجْزِيَهُ عَنْهُمَا اتِّفَاقًا. الْفَرْعُ الْخَامِسُ، تَغْتَسِلُ الذِّمَّيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْحَيْضِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ وَيَجْبَرُهَا الزَّوْجُ أَوِ السَّيِّدُ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ لَا مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجْبَرُهَا".

          ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَمَنْ نَسِيَ لُمْعَةً أَوْ عُضْوًا مِنْ غُسْلِهِ بَادَرَ إِلَى غَسْلِهِ حِينَ تَذُكُّرِهِ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَأَعَادَ مَا صَلَّى قَبْلَهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَطَلَ غُسْلُهُ. فَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَصَادَفَهُ غَسْلُ الوُضُوءِ أَجْزَأَهُ).

فَصْلٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ

          قَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مِنَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا إِجْمَاعًا وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ إِجْمَاعًا وَمَسُّ الْمُصْحَفِ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ .... وَمِنَ الطَّوَافِ وَالْإِعْتِكَافُ إِجْمَاعًا وَمِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْآيَاتِ الْيَسِيرَةِ لِلتَّعَوُّذِ". لِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ (إِلَّا الْآيَة َوَنَحْوَهَا لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ) ثُمَّ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ حَتَّى يُعِدَّ الْآلَةَ). أَيْ لَا يَحِلُّ أَنْ تَحْمِلَ جَنَابَةً إِنْ كُنْتَ تَخْشَى الْإِغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَكَ مِنَ الْحَطَبِ مَا تَجْعَلُهُ بِهِ سَاخِنًا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَخْطَأَ. وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ فَرَأَى جَنَابَةً قَدْ أَصَابَتْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ الْآلَةُ.

فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ

          قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) سورة المائدة: ٦

          فَقَالَ الدردير فِي بَيَانِ ذَلِكَ: "إِنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِفَقْدِ مَاءٍ كَافٍ بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَوْ خَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ أَوْ عَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ كَلْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ لَهُ بَالٌ بِطَلَبِهِ أَوْ خُرُوجِ وَقْتٍ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ فَقْدِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ". فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَيَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَالْمَرِيضُ لِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ. وَيَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرَائِضِ إِذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا. وَلَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِنَافِلَةٍ وَلَا جُمُعَةٍ وَلَا جَنَازَةٍ إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الْجَنَازَةُ) قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: بِأَنْ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ وَفَقَدَ الْمَاءَ وَإِذَا انْتَظَرْنَا وُجُودَ الْمَاءِ تَغَيَّرَتْ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّى عَلَيْهَا.

وَقَوْلُهُ (وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ: النِّيَّةُ وَالصَّعِيدُ الطَّاهِرُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَمَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ وَضَرْبَةُ الْأَرْضِ الْأُولَى وَالْفَوْرُ وَدُخُولُ الْوَقْتِ وَاتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ) ثُمَّ ذَكَرَ الصَّعِيدَ بِقَوْلِهِ (وَالصَّعِيدُ هُوَ التُّرَابُ وَالطُّوبُ وَالْحَجَرُ وَالثَّلْجُ وَالْخَضْخَاضُ وَنَحْوُ ذَلِكَ)

قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "كَمَرِيضٍ لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلَهُ مَاءً وَلَا صَعِيدًا وَحُكْمُهُ أَنَّهُ فِيهِ خِلَافٌ، فَقَالَ مَالِكٌ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ أَدَاءً وَقَضَاءً وَهُوَ الْمَشْهُورُ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: "وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَاءَ لِلطُّهْرِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا وَإِذَا وَجَدَا الْمَاءَ تَطَهَّرَا وَلَمْ يُعِيدَا مَا صَلَّيَا".

          وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِيُّ: إِذَا كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرِهَا جُرْحٌ وَخَافَ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ فَوَاتَ نَفْسِهِ أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: إِذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا بَطَلَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَإِذَا رَدَّهَا فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَسْحِ ثَاِنيَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: وَبَطَلَتِ الصَّلَاةُ إِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا.

          ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بِالْجِصِّ الْمَطْبُوخِ وَالْحَصِيرِ وَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ. وَرُخِّصَ لِلْمَرِيضِ فِي حَائِطِ) الْمَبْنِيِّ بِـ (الْحَجَرِ وَالطُّوبِ) غَيْرُ مَسْتُورٍ بِجِيرٍ (إِنْ لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلًا غَيْرَهُ).

          ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَنَ وَالْفَضَائِلَ الْمَشْرُوعَةَ فِي التَّيَمُّمِ (وَسُنَنُهُ: تَجْدِيدُ الصَّعِيدِ لِيَدَيْهِ وَمَسْحُ مَا بَيْنَ الْكُوعَيْنِ وَالْمَرْفَقَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ. وَفَضَائِلُهُ: التَّسْمِيَةُ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَقْدِيمُ ظَاهِرِ الذِّرَاعِ عَلَى بَاطِنِهِ وَمُقَدِّمِهِ عَلَى مُؤَخِّرِهِ . وَنَوَاقِضُهُ كَالْوُضُوءِ) فَكُلُّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَنْقُضُ التَّيَمَّمَ

          وَقَالَ فِي أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ بِالتَّيَمُّمِ (وَلَا تُصَلَّى فَرِيضَتَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ . وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ جَازَ لَهُ النَّوَافِلُ بَعْدَهَا وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالتِّلَاوَةُ إِنْ نَوَى ذَلِكَ وَاتَّصَلَتْ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: يُجْمَعَ بَيْنَ النَّوَافِلُ، وَبَيْنَ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةٍ إِنْ قَدَّمَ الْفَرِيضَةَ.

          وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَجَازَ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ كُلُّ مَا ذُكِرَ) يُرِيدُ أَنَّ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرونَ إِذَا تَيَمَّمُوا لِنَافِلَةٍ جَازَ لَهُمَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالتِّلَاوَةُ (إِلَّا الْفَرِيضَةَ) فَلَا يُصَلُّوهَا بَعْدَ النَّافِلَةِ ، خُصَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَافِلَةٍ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا بِقَوْلِهِ (وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ قَامَ لِلشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ) لِقَوْلِهِ سَابِقًا فِي الْفَرَائِضِ ’وَاتَّصَلَتْ بِالصَّلَاةِ‘. (وَمَنْ تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا) بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ.

فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ

          قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ ثَلَاثَةٌ: دَمُ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى جِهَةِ الصِّحَّةِ. دَمُ الْإِسْتِحَاضَةِ، وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى جِهَةِ الْمَرَضِ وَأَنَّهُ غَيْرُ دَمِ الْحَيْضِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِنَمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضَةٍ). دَمُ النِّفَاسِ، وَهُوَ خَارِجٌ مَعَ الْوَلَدِ.

          (وَ) تَنْقَسِمُ (النِّسَاءُ) فِي الْحَيْضِ إِلَى ثَلَاثَةٍ: ١ـ (مُبْتَدَأَةٌ) ٢ـ (وَمُعْتَادَةٌ) ٣ـ (وَحَامِلٌ)

          ثُمَّ بَيَّنَ أَيَّامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ (وَأَكْثَرُ) أَيَّامِ (الْحَيْضِ لِلْمُبْتَدَأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَإِنْ تَمَادَى وَلَمْ يَنْقَطِعْ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً. (وَلِلْمُعَتَادَةِ عَادَتُهَا ) أي تَحْفَظُ عَدَدَ أَيَّامِ الَّتِي تَحِيضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، ما بين وَاحِدٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، (فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ) بِأَنْ جَاوَزَ أَيَّامَ عَادَتِهَا كَخَمْسَةٍ، فَجَاوَزَهَا (زَادَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَقَطْ (مَا لَمْ تَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فمَنْ كَاَنتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ؛ زَادَتْ ثَلَاثَةً فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَهَا. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ؛ تَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ تَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَلْ تَزِيدُ يَوْمَيْنِ كَيْلَا تُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَا تَزِيدُ شَيْئًا.

          ثُمَّ قَالَ (وَلِلْحَامِلِ) إِنْ حَاضَتْ (بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) بِحَمْلِهَا، فَأَيَّامُ حَيْضِهَا (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا) قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: فَإِنَّهَا تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا كَالْعِشْرِينَ، وَبَعْدَ هَذَا يُعْتَبَرُ اسْتِحَاضَةً. (وَ) إِنْ حَاضَتْ (بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) بِحَمْلِهَا فَأَيَّامُ حَيْضِهَا (عِشْرُونَ وَنَحْوُهَا) قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: فَإِنَّهَا تَمْكُثُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا كَالْخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاصَةٌ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلُ: وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَهَا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ قَوْلَانِ. وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ. لِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ تَقَطَّعَ الدَّمُ لَفَّقَتْ أَيَّامَهُ حَتَّى تُكَمِّلَ عَادَتُهَا) فَلَا تُحْصِي مَعَ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ.

          ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَوَانِعِ الْحَيْضِ، فَقَالَ: (وَلاَ يَحِلُّ لِلْحَائِضِ صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا طَوَافٌ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. وَقِرَاءَتُهَا جَائِزَةٌ . وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا فَرْجُهَا وَلَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتَيْهَا) وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ (حَتَّى تَغْتَسِلَ). قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "فَإِنْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلِ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ. وَجَسَدُ الْحَائِضِ وَعَرَقُهَا وَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْجُنُبِ".

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "لِلطُّهْرِ عَلَامَتَانِ الْجُفُوفُ مِنَ الدَّمِ وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَأْتِي فِي آخِرِ الْحَيْضِ. فَإِذَا رَأَتِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ عَلَامَةَ طُهْرِهَا اغْتَسَلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا". وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِيُّ: "وَالْقَصَّةُ أَبْلَغُ لِلْمُعْتَادَةِ، فَإِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا انْتَظَرَتِ الْقَصَّةَ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَلَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ إِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا".

فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ

          قَالَ الْمُؤَلِّفُ (وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِي مَنْعِهِ) الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَغَيْرَ ذَلِكَ (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) لِكُلِّ امْرَأَةٍ (فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَهَا وَلَوْ فِي يَوْمِ الْوِلَادَةِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ) تَنْظِرُ إِلَى يَوْمٍ رُجُوعِهِ وَيَوْمَ انْقِطَاعِهِ (فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ كَانَ الثَّانِي حَيْضًا وَإِلَّا) بِأَنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ انْقِطَاعِهِ (ضُمَّ إِلَى الْأَوَّلِ وَكَانَ مِنْ تَمَامِ النِّفَاسُ). لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

 

فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ

          قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء

          وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِيُّ: الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ خَمْسَةٌ؛ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَقْتَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ.

          وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي لَا تَجُوزُ قَبْلَهُ هُوَ الزَّوَالُ. وَقَالَ: فَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا الْمُوَسَّعِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا وَقْتُهَا الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لِلْمُنْفَرِدِ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَلِيلًا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ.

          لِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى آخِرِ الْقَامَةِ) وَقَامَةُ الشَّيْءِ: طُولُهُ.

          وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ هُوَ بِعَيْنِهِ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي آخِرِ وَقْتِهَا: فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رُوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَالثَّانِي، أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلِ.

          لِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ مِنَ الْقَامَةِ إِلَى الْإِصْفِرَارِ) ثُمَّ قَالَ (وَضَرُورِيُّهُمَا) أَيْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ (إِلَى الْغُرُوبِ) فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَارَتَا قَضَاءً.

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: إِنَّهُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقَدْ بَقِيَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ خَمْسُ رَكْعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَثَلَاثٌ فِي السَّفَرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ. وَإِنْ بَقِيَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى رَكْعَةٍ وَجَبَتِ الْعَصْرُ وَحْدَهَا ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ سَقَطَتِ الصَّلَاتَانِ.

          ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالْمُخْتَارُ لِلْمَغْرِبِ قَدْرُ مَا تُصَلَّى فِيهِ بَعْدَ شُرُوطِهَا)

          قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُوَسَّعٍ ، وَهَذَا هُوَ أَشْهَرُ الرُّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْعِشَاءِ: أَمَّا أَوَّلُهُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَغِيبُ الْحُمْرَةِ.

          فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ(  الْأَحْمَرِ (إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ. وَضَرُورِيُّهُمَا) أَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ).

          قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِنْ بَقِيَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْأَعْذَارِ  خَمْسُ رَكْعَاتٍ وَجَبَتِ الصَّلَاتَانِ ، وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثٌ سَقَطَتِ الْمَغْرِبُ، وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعٌ فَقِيلَ تَسْقُطُ الْمَغْرِبُ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قَدْرَ الْعِشَاءِ خَاصَّةً، وَقِيلَ تَجِبُ الصَّلَاتَانِ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ كَامِلَةً وَيُدْرِكُ الْعِشَاءَ بِرَكْعَةٍ. وَعَلَى الثَّانِي ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ.

          قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالْمُخْتَارُ لِلصُّبْحِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى وَضَرُورِيُّهُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ)

قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ : وَلِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ إِنْ خَافَ أَنْ يغلب عَلَى عَقْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ. قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: وَهَذَا جَمْعُ تَقْدِيمٍ، وَلَيْسَ لِلصَّحِيحِ فِعْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَرْفَقَ بِهِ لِبَطْنٍ بِهِ وَنَحْوِهِ جَمَعَ وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ.

        قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْأَعْذَارِ فَهُوَ آثِمٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مُؤَدٍّ أَوْ قَاضٍ.

        وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَالْقَضَاءُ فِي الْجَمِيعِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ) أَيْ وَقْتُ قَضَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ يَبْدَأُ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الْمُخْتَارِ وَالضَّرُورَةِ. (وَمَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَعَلَيْهِ ذَنْبٌ عَظِيمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا).

        ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي ذِكْرِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ النّافِلَةِ، فَقَالَ: (وَلَا تُصَلَّى نَافِلَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ) قَالَ الزَّرْقَانِي: "قَدْرُ رُمْحٍ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ، وَقَدْرُهُ اثْنَا عَشَرَ شِبْرًا بِشِبْرٍ مُتَوَسِّطٍ". وَالشِّبْرُ هُوَ مَا بَيْنَ طَرَفَي الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ بِالتَّفْرِيجِ الْمُعْتَادِ، وَجَمْعُهُ؛ أَشْبَارٌ. (وَبَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا الْوِرْدَ لِنَائِمٍ عَنْهُ) وَالْوِرْدُ هُوَ مَا اعْتَادَهُ الْمَرْؤُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ لَيْلًا. (وَعِنْدَ جُلُوسِ إِمَامِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ) الْمُصَلِّي (مِنَ الْمَسْجِدِ).

        وَذَكَرَ ابْنُ جُزَيٍّ عَشَرَةَ أَوْقَاتٍ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَهِيَ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَتَجُوزُ فِيهِ الْفَوَائِتُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَالْوِتْرُ وَأَنْ يَخْلَفَ حِزْبَهُ مِنَ اللَّيْلِ مَنْ فَاتَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِيهِ. وَمِنْهَا عِنْدَ الزَّوَالِ، وَبَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَعِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ وَقَبْلَهَا، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَبْلَهَا فَتُمْنَعُ فِي الْمُصَلَّى دُونَ الْمَسْجِدِ.

فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ

        قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (شُرُوطُ) صِحَّةِ (الصَّلَاةِ) سِتَّةٌ وَهِيَ: (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِسْتِنْجَاءُ مِنْ خُرُوجِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ. (وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ مِنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ) إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. قَالَ خَلِيلُ: وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا وَدَامَ أَخَّرَ لِآخِرِ الْإِخْتِيَارِي وَصَلَّى (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: أَمَّا الْمَسْتُورُ فَهُوَ الْعَوْرَةُ ، وَيَجِبُ سَتْرُهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ اجْمَاعًا.

وَقَوْلُهُ: (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ)

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: الْفَرْضُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَقِيلَ عَيْنُهَا وَقِيلَ جِهَتَهَا. فَقِبْلَةُ أَهْلِ الْمَغْرَبِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَبِالْعَكْسِ. وَقَالَ: الْإِسْتِقْبَالُ شَرْطٌ فِي الْفَرْضِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ وَلِلرَّاكِبِ فِي السَّفَرِ يَخَافُ إِنَّ نَزَلَ لِصًّا أَوْ سَبْعًا، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ عَلَى الدَّابَّةِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ أَيْضًا شَرْطٌ فِي النَّوَافِلِ إِلَّا فِي السَّفَرِ فَيُصَلَّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتِهِ، وَيُومِئَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخَفَّ مِنَ الرُّكُوعُ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ. وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلًا، وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا. وَيُصَلِّي مَنْ فِي السَّفِينَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ دَارَتِ اسْتَدَارَ.

(وَتَرْكُ الْكَلَامِ) إِلَّا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ (وَتَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ.

وَقَوْلُهُ: (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ)

        قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: "وَأَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنَ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْأَفْضَلُ تَغْطِيَةُ سَائِرِ جَسَدِهِ وَلَوْ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ عَلَى كَتِفَيْهِ وَالْأَكْمَلُ زِيَادَةُ الرِّدَاءُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا السَّاتِرُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا كَثِيفًا فَإِنْ ظَهَرَ مَا تَحْتَهُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَإِنْ وَصَفَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى وَحْدَهُ عُرْيَانًا قَائِمًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ. وَقَالَ: إِنِ اجْتَمَعَ عُرَاةٌ فِي الظَّلَامِ صَلُّوا كّالْمَسْتُورِينَ - أَيْ جَمَاعَةً - ، وَإِنْ كَانُوا فِي الضَّوْءِ تَبَاعَدُوا وَصَلُّوا أَفْذَاذًا، وَإِلَّا صَلُّوا جُلُوسًا. وَقِيلَ قِيَامًا وَيَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ"

وَقَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ)

        قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَأَقُّل مَا يُجْزِيهَا ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَسَدَهَا حَتَّى ظُهُورَ الْقَدَمَيْنِ وَقِنَّاعٍ فِي رَأْسِهَا." وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ ؟ فَقَالَ: (فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إِذَا غَيَّبَتْ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا).

وَقَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السَّرَاوِيلِ إِلَّا إِذَا كَانَ فَوْقَهَا شَيْءٌ)

        قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي مَكْشُوفَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، فَالْجَمْهُورُ عَلَى جَوَازِ صَلَاتِهِ، لِكَوْنِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مِنَ الرَّجُلِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ" لَكِنْ مِنَ الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا كَمَالَ فِيهَا.

        ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا إِلَّا مُتَنَجِّسًا، فَقَالَ: (وَمَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ وَلَمْ بَجِدْ ثَوْبًا غَيْرَهُ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَلْبَسُ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ، صَلَّى بِنَجَاسَتِهِ).

        ثُمَّ قَالَ فِي مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى رَبَّهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) سورة المائدة . وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ : يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. رواه البخاري

        ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا بَتَاتًا: (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ صَلَّى عُرْيَانًا)

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) عَلَى الْمَشْهُورِ.

        وَقَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: وَمَفْهُومُ أَخْطَأَ: أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْقِبْلَةَ عَمْدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا؛ وَتَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا؛ أَخْطَأَ كَثِيرًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا، فَإِنْ تَرَكَ الْإِسْتِقْبَالَ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا؛ وَهُوَ بَصِيرٌ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَعْمَى فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِيهَا اسْتَقْبَلَهَا، فَإِنْ تَرَكَ الْإِسْتِقْبَالَ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ خَطَؤُهُ يَسِيرًا لَا كَثِيرًا فَتَبْطُلُ. وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا؛ وَلَمْ يَكُنْ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَأَّمَّا إِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ خَطَؤُهُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا.

        ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (وَكُلُّ إِعَادَةٍ فِي الْوَقْتِ فَهِيَ فَضِيلَةٌ. وَكُلُّ مَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ فَلَا تُعَادُ مِنْهُ الْفَائِتَةُ وَالنَّافِلَةُ).

فَصْلٌ فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ

١- (نِيَّةُ الصَّلاَةِ الْمُعَيَّنَةُ) ، وَهِيَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ وَيُعَيِّنُهَا بِكَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ غَيْرَهَا. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، وَلَا يَلْزَمُ النُّطْقُ بِهَا وَتَرْكُهُ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: وَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ النُّطْقِ لِلنِّيَّةِ.

٢،٣ـ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَاِم، وَالْقِيَامُ لَهَا)، قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ قَالَ ؛ (اللَّهُ أَكْبَارُ)، بِالْمَدِّ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَنْ قَالَ: اللَّهُ وَاكْبَرُ، بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا جَازَ.

٤،٥- (وَالْفَاتِحَةُ وَالْقِيَامُ لَهَا) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: لَا يُبَسْمِلُ سِرًّا وَلَا جَهْرًا. وقال العلامة حليل: وفاتحة بحركة لسان على إمام وفذ وإن لم يسمع نفسه، وقيام لها، فيجب تعلمها إن أمكن، وإلا ائتم. فإن لم يمكنا فالمختار سقوطهما، وندب فصل بين تكبيره وركوعه.

٦،٧- (وَالرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: فِي آدَابِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَأَنْ يُجَافِى مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبِهِ، وَأَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَلَا يَخْفِضُهُ، وَلَا يَدْعُوا فِيهِ - وَلَا - يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ فِيهِ.

٨،٩- (وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: فِي آدَابِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَنْ يُجَافِي بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَبَيْنَ مِرْفَقَيْهِ وَجَنْبِهِ، وَبَيْنَ بَطْنِهِ وَفَخِذَيْهِ وَهُوَ التَّفْرِيجُ وَلَا تُفَرِّجُ الْمَرْأَةُ، وَأَنْ يَرْفَعَ ذِرَاعَيْهِ عَنِ الْأَرْضِ، وَأَنْ يَسْجُدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَنْ يَعْمِدَ عَلَى يَدَيْهِ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَأَنْ يَنْهَضَ مِنَ السَّجْدَةِ قَائِمًا دُونَ الْجُلُوسِ.

١٠- (وَالْإِعْتِدَالُ) وَهُوَ أَنْ تَسْتَوِيَ قَائِمًا إِذَا رَفَعْتَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَأَنْ تَسْتَوِيَ جَالِسًا إِذَا رَفَعْتَ مِنَ السُّجُودِ.

١١- (وَالطُّمَأْنِينَةُ)، وَهِيَ أَنْ تَطْمَإِنَّ مَفَاصِلُكَ وَتَسْتَقِرَّ بَعْدَ رَفْعِكَ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ رَفْعِكَ مِنَ السُّجُودِ.

١٢،١٣،١٤ـ (وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ فَرَائِضِهَا، وَالسَّلَامُ، وَجُلُوسُهُ الَّذِي يُقَارِنُهُ)

        قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّلَامِ: "وَالَّذِينَ أَوْجَبُوهُ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اثْنَتَانِ. فَذَهَبَ الْجَمْهُورُ مَذْهَبَ ظَاهِرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ: (وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ). وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمَتَانِ فَلِمَا ثَبَتَ مِنْ: (أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ)، وَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ حَمَلَ فِعْلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ. وَاخْتَارَ مَالِكٌ لِلْمَأْمُومِ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلِلْإِمَامِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ ثَلَاثًا؛ الْوَاحِدَةُ لِلتَّحْلِيلِ وَالثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ وَالثَّالِثَةُ لِمَنْ هُوَ عَنْ يَسَارِهِ.

        وَقَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ فِي التَّسْلِيمَةِ إِنَّهَا: بِالتَّعْرِيفِ بِـ (الْ)، وَالتَّرْتِيبِ، وَمِيمِ الْجَمْعِ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ قَدَرْتَ". يَعْنِي بِالتَّعْرِيفِ: 'السَّلَامُ عَلَيْكُمْ' لَا يَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَيَعْنِي بِالتَّرْتِيبِ 'السَّلَامُ عَلَيْكُمْ' وَلَا يَقُولُ: ‘عَلَيْكُمُ السَّلَامُ‘. وَيَعْنِي بِمِيمِ الْجَمْعِ 'السَّلَامُ عَلَيْكُمْ' وَلَا يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، بِلَا مِيمٍ.

        وَقَالَ الْمُؤَلَّفُ رَحِمَهُ اللهُ: (وَشَرْطُ النِّيَّةِ مُقَارَنَتُهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ)

        (وَسُنَنُهَا: الْإِقَامَةُ) وَهِيَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. (وَالسُّورَةُ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: يُسْتَحَبُّ إِكْمَالُ السُّورَةِ، وَأَنْ يُرَتَّبَ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَطْوَلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَرَّرَ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّاِنيَةِ وَيُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَالْقِيَامُ لَهَا، وَالسِّرُّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ، وَالْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ، وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ ’سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‘ أَنَّ الصِّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ تَفُتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ رَسوُلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ يَوْمًا وَقْتَ الْعَصْرِ فَظَنَّ أَنَّهَا فَاتَتْهُ مَعَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ وَهَرْوَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَهُ صلى الله عليه وسلم مُكَبِّرًا فِي الرُّكُوعِ ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَكَبَّرَ خَلْفَ الرَّسُولِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوعِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُلْ ’سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‘. فَقَالَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ. وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَرْفَعُ بِهِ، فَصَارَ سُنَّةً مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَرَكَةِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (وَكُلُّ تَكْبِيرَةٌ سُنَّةٌ إِلَّا الْأُولَى، وَالتَّشَهُّدَانِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدَ عُمَرَ وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (وَالْجُلُوسُ لَهُمَا، وَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ لِلْمَأْمُومِ، وَالْجَهْرُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاجِبَةِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالسُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَالْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَالسُّتْرَةُ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَلَا يَصْمُدُ إِلَى السُّتْرَةِ بَلْ يَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا أَوْ يَتَيَاسَرُ، وَيَجْعَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَدْرَ مَمَرِّ شَاةٍ. وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً صَلَّى دُونَهَا، وَيَخُطُّ خَطًّا فِي الْأَرْضِ فَيُصَلِّي إِلَيْهِ. (وَأَقَلُّهَا غِلَظُ رُمْحٍ، وَطُولُ ذِرَاعٍ طَاهِرٍ ثَابِتٍ غَيْرِ مُشَوِّشٍ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَلَا يَسْتُرُ بِصَبِيٍّ لَا يَثْبُتُ، وَلَا بِامْرَأَةٍ وَلَا إِلَى الْمُتَكَلِّمِينَ.

        (وَفَضَائِلُهَا: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَتَّى تُقَابِلَ الْأُذْنَيْنِ، وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ وَالْفَذِّ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَالتَّأْمِينُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِلْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ السِّرِّ ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ، وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ، وَتَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ، وَالظُّهْرِ تَلِيهَا) فِي التَّطْوِيلِ وَلَا تَكُونُ كَمِثْلِهَا (وَتَقْصِيرُهَا فِي الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَتَوَسُّطُهَا فِي الْعِشَاءِ، وَتَكُونُ السُّورَةُ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ) كَسُورَةِ النَّبَإِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ سُورَةِ الْبُرُوجِ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا، لَا بِالْعَكْسِ (وَأَطْوَلَ مِنْهَا) فَتَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسُورَةِ الْعَلَقِ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا، لِأَنَّ الْأُولَى أَطْوَلُ مِنَ الثَّانِيَةِ. (وَالْهَيْئَةُ الْمَعْلُومَةُ فِي الرُّكُوعِ) بِأَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ، (وَالسُّجُودِ) فّيُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَيُفَرِّجُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَلاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْكَلْبِ. (وَالْجُلُوسِ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: فِي صِفَتِهِ أَنْ يُفْضِي بِوَرِكِهِ الْأَيْسَرِ إِلَى الْأَرْضِ وَيُخْرِجُ رِجْلَيْهِ جَمِيعًا مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَنْصِبُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَبَاطِنُ إِبْهَامِهَا إِلَى الْأَرْضِ وَيُثْنِي الْيُسْرَى.  (وَالْقُنُوتُ سِرًّا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ السُّورَةِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ) وَلَفْظُهُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلُّهُ نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكُ وَنَخْنَعُ لَكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ. ثُمَّ تَرْكَعُ (وَيَجُوزُ بَعْدَ الرُّكُوعِ) فَتَسْجُدُ بَعْدَ الْقُنُوتِ مُبَاشَرَةً (وَالدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الثَّاِني، وَيَكُونُ التَّشَهُّدُ الثَّانِي أَطْوَلَ مِنَ الْأُولَى) لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدْعِيَةِ (وَالتَّيَامُنُ بِالسَّلَامِ وَتَحْرِيكُ السَّبَابَةِ فِي التَّشَهُّدِ)

        قَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِيُّ: وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً تَامَّةً ، أَتَابِهَا عَلَى نِظَامِهَا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْفَرْضَ مِنَ السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةَ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ، فَقِيلَ إِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ إِنْ أَخَذَ وَصْفَهَا عَنْ عِالِمٍ" وَقَالَ الزَّرْقَانِي: "إِمَّا بِأَنْ قَالَ لَهُ الْعَالِمُ: افْعَلْ كَذَا وَكَذَا، وَإِمَّا بِأَنْ رَأَى الْعَالِمَ يَفْعَلُهَا، فَفَعَلَهُ كَفِعْلِهِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي). وَالْوُضُوءُ كَالصَّلَاةِ فِي هَذَا"

        قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَيُسْتَحَبُّ الذِّكْرُ بِإِثْرِ الصَّلَاةِ ، يُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا ثَلاَثِينَ ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ ثَلَاثًا ثَلَاثِينَ ، وَيُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلَاثًا ثَلَاثِينَ ، وَيُخْتِمُ الْمِائَةَ بِـ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمَلِكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَيُسْتَحَبُّ بِإِثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ التَّمَادِي بِالذِّكْرِ وَالْإِسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبِ طُلُوعِهَا.

مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ

        قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَيُكْرَهُ الْإِلْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَفْلَةِ (وَتَغْمِيضُ الْعَيْنَيْنِ) لِمَا فِيهِ مِنَ اللَّعِبِ (وَالْبَسْمَلَةُ وَالتَّعَوُّذُ) كِلَاهُمَا (فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَجُوزَانِ فِي النَّفْلِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنْ يَطُولَ قِيَامُهُ، وَاقْتِرَانُ رِجْلَيْهِ، وَجَعْلُ الدِّرْهَمِ أَوْ غَيْرِهِ فِي فَمِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْخُشُوعِ (وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُشَوِّشُهُ فِي جَيْبِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَكُلُّ مَا يُشْغِلُهُ عَنِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ) وَكُلُّ هَذَا يَنْقُصُ ثَوَابَهُ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ.

فَصْلٌ فِي بَيَانِ نُورِ الصَّلَاةِ

        قَالَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله: (لِلصَّلَاةِ نُورٌ عَظِيمٌ تُشْرِقُ بِهِ قُلُوبُ الْمُصَلِّينَ وَلَا يَنَالُهُ إِلَّا الْخَاشِعُونَ) فَأَشَارَ إِلَى شَيْئَيْنِ لِمَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ النُّورُ، أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَتَيْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَاشْتَغِلْ بِمُرَاقَبَةِ مَوْلَاكَ الَّذِي تُصَلِّي لِوَجْهِهِ) وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (وَاعْتَقِدْ أَنَّ الصَّلَاةَ خُشُوعٌ وَتَوَاضُعٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.و) اعْتَقِدْ أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ (إِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ لَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ) فَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَفْهَمُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَسَّمَ الصَّلَاةَ إِلَى قِسْمَيْنِ، الْأَقْوَالُ وَالْأَقْوَالُ. فَتَعْتَقِدُ الْخُضُوعَ بِالْأَفْعَالِ وَتَعْتَقِدُ التَّعْظِيمَ بِالْأَقْوَالِ. فَخَتَمَ الْفَصْلَ بِوَصِيَّةٍ حَيْثُ قَالَ: (فَحَافِظْ عَلَى صَلَاتِكَ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ)

قَالَ الشَّيْخُ عُثْمَانُ بْنُ فُودِي: "وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ : كَانَ مَالِكٌ يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي وِرْدِهِ، وَإِذَا وَقَفَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ يَابِسَةٌ لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، قِيلَ لَهُ: لَوْ خَفَفْتَ مِنْ هَذَا. قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ إِلَّا حَسَّنَهُ، قَالَ تَعَالَى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)" سورة الملك

وَاسْتَمَرَّ الْمُؤَلِّفُ قَائِلًا (وَلَا تَتْرُكِ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِقَلْبِكَ وَيَشْغَلُكَ عَنْ صَلَاتِكَ حَتَّى يَطْمسَ قَلْبَكَ وَيَحْرِمُكَ مِنْ لَذَّةِ أَنْوَارِ الصَّلَاةِ، فَعَلَيْكَ بِدَوَامِ الْخُشُوعِ فِيهَا، فَإِنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِسَبَبِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرُ مُسْتَعَانٍ) اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا.

فَصْلٌ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ

        قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَيُصَلِّي جَالِسًا، وَكَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَيُومِئُ مَكَانَهَا.

        قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَفِيهِ أَحْوَالٌ:

*أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ قَدَرَ بِمَشَقَّةٍ قَادِحَةٍ،     *صَلَّى قَائِمًا مُسْتَنِدًا،

*ثُمَّ جَالِسًا مُسْتَقِلًّا،    *ثُمَّ جَالِسًا مُسْتَنِدًا،     *ثُمَّ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ،               *ثُمَّ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِرِجْلَيْهِ...

*ثُمَّ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي اضْطِجَاعِ وَالْإِسْتِلْقَاءِ.

        فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ نَوَى الصَّلَاةَ بِقَلْبِهِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.

        وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ سَبْعَةُ أَحْوَالٍ مُرَتَّبَةً تُؤَدَّى عَلَيْهَا، أَرْبَعَةٌ مِنْهَا عَلَى الْوُجُوبِ وَثَلَاثَةٌ عَلَى الْإِسْتِحْبَابِ.

فَالَّتِي عَلَى الْوُجُوبِ أَوَّلُهَا: الْقِيَامُ بِغَيْرِ اسْتِنَادٍ، ثُمَّ الْقِيَامُ بِاسْتِنَادٍ، ثُمَّ الْجُلُوسُ بِغَيْرِ اسْتِنَادٍ، ثُمَّ الْجُلُوسُ بِاسْتِنَادٍ.

        فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْوُجُوبِ. إِذَا قَدَرَ عَلَى حَالَةٍ مِنْهَا وَصَلَّى بِحَالَةٍ دُونَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

        وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي عَلَى الْإِسْتِحْبَابِ هِيَ: أَنْ يُصَلِّيَ الْعَاجِزُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ:

١- عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ         ٢- ثُمَّ عَلَى الْأَيْسَرِ            ٣- ثُمَّ عَلَى ظَهْرِهِ

فَإِنْ خَالَفَ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.)

        ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ بِمَرِيضٍ فَقَالَ: (وَالْإِسْتِنَادُ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ الْقَادِرِ عَلَى تَرْكِهِ هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ)

        وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَاِئضِ دُونَ النَّوَافِلِ، ثُمَّ قَالَ: (وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَيَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَهَا جَالِسًا، وَلَهُ نِصْفُ أًجْرِ الْقَائِمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا جَالِسًا وَيَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلَهَا قَائِمًا وَيَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ. إِلَا أَنْ يَدْخُلَهَا بِنِيَّةِ الْقِيَامِ فِيهَا فَيُمْتَنَعُ جُلُوسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ)

        قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: إِذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى لَهُ وَأَتَمَّ عَلَى حَسَبِ مَا آلَ إِلَيْهِ.

فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ

        قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (يَجِبُ قَضَاءُ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)رواه مالك

        وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ التَّفْرِيطُ فِيَها) وَهُوَ التَّقْصِيرُ ، كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ شَهْرٍ ، فَكَانَ يَقْضِي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ سَيِّءٌ. فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْقَضَاءِ الْحَسَنِ (فَمَنْ صَلَّى كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَّيَّامٍ فَلَيْسَ بِمُفَرِّطٍ) يَعْنِي مَنْ كَانَتْ عَلَيْهٌ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَقْضِي صَلَاةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَمْ يُقَصِّرْ.

        ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَيَقْضِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَتْهُ) فِي عَدَدِ الرَّكْعَاتِ، وَالسِّرِّ وَالْجَهْرِ، وَكَذَلِكَ (إِنْ كَانَتْ حَضَرِيَّةً) أي كاملة (قَضَاهَا حَضَرِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ سَفَرِيَّةً) أي قَصْرًا (قَضَاهَا سَفَرِيَّةً، سَوَاءٌ كَانَ حِينَ الْقَضَاءِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ)

        فَقَالَ فِي حُكْمِ تَرْتِيبِ الصَّلَوَاتِ الْفَوَائِتِ مَعَ الْحَاضِرَةِ، وَبَدَأَ بِالْحَضَرِيَّتَيْنِ: الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَائَيْنِ. (فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْحَاضِرَتَيْنِ) وَاجِبٌ وَشَرْطٌ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّاذَلِيُّ:"وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الْحَاضِرَتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ خَالَفَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا" فَمَنْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ، فَلْيَبْدَأْ بِالظُّهْرِ ثُمَّ الْعَصْرِ، إِنْ كَانَ ذَاكِرًا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا يُعِيدُ الْعَصْرَ.

        (وَ) وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ (بَيْنَ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ مَعَ الْحِاضِرَةِ وَاجِبٌ) أَيْضًا (مَعَ الذِّكْرِ) فَمَنْ جَاءَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا، وَكَانَ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَوَائِتٌ قَلِيلَةٌ كَوَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلَا يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى يَقْضِي مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ صَلَّاهَا أَعَادَهَا.

        ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْيَسِيرِ بِقَوْلِهِ: (وَالْيَسِيرُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٌ فَأَدْنَى، فَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٌ فَأَقَلُّ صَلَّاهَا قَبْلَ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُهَا).

        فَكَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ هَلْ يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، التَّنَفُّلُ لِمَنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ؟ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ) بَعْدَ الصُّبْحِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ  وَغَيْرِهَا. (وَلَا يَتَنَفَّلُ مَنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا يُصَلِّي الضُّحَى وَلَا قِيَامُ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ) شَيْءٌ مِنَ النَّوَافِلِ (إِلَّا الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ) بَعْدَ الْعِشَاءِ (وَالْفَجْرِ) رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، بِأُمِّ الْقُرْءَانِ فَقَطْ سِرًّا. (وَالْعِيدَانِ) عِيدُ الْفِطْرِ وَعِيدُ الْأَضْحَى (وَالْخُسُوفُ) وَهُوَ ذِهَابُ نُورِ الْقَمَرِ أَوِ الشَّمْسِ وَنَقْصُهُ، وَهُوَ رَكْعَتَانِ لِكُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ، أَفْذَاذًا، وَرُكُوعَانِ لِكُلِّ رَكْعَةٍ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، مَعَ الْإِمَامِ.(وَالْإِسْتِسْقَاءُ) لِلْقَحْطِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ أَيْضًا فِي الْمُصَلَّى مَعَ إِمَامٍ وَخُطْبَةٍ.

        (وَيَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً إِذَا اسْتَوَتْ صَلَاتُهُمْ) قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ عَبْدِ السَّمِيعِ: بِأَنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ ظُهْرًا مَثَلًا، فَإِذَا اشْتَرَكُوا فِي قَضَاءِ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ جَازَ أَنْ يُصَلُّوهَا جَمَاعَةً، بِأَنْ يَؤُمَّهُمْ وَاحِدٌ"،

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ نَسِيَ عَدَدَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْقَضَاءِ صَلَّى عَدَدًا لَا يَبْقَى مَعَهُ شَكٌّ)

        وَقَالَ الشَّيْخُ يَهُوذَا: "وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَاحِدَةً مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لَا يَدْرِي أَيَّةُ صَلَاةٍ هِيَ، قَضَى ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ صُبْحًا وَظُهْرًا وَعَصْرًا. وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا هِيَ، صَلَّى ثَلَاتَيْنِ مَغْرِبًا وَعِشَاءً. وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَا يَدْرِي هِيَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ".

بَابٌ فِي السَّهْوِ

        قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَسُجُودُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ. فَلِلنُّقْصَانِ سَجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ تَمَامِ التَّشَهُّدَيْنِ، يَزِيدُ بَعْدَهُمَا تَشَهُّدًا آخَرَ. وَلِلزِّيَادَةِ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ ، يَتَشَهَّدُ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً أُخْرَى. وَمَنْ نَقَصَ وَزَادَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ)

        ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ أَخَّرَ سُجُودَ السَّهْوِ عَنْ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا فَقَالَ: (وَمَنْ نَسِيَ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ حَتَّى سَلَّمَ، سَجَدَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا) وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَالْقُرْبُ غَيْرُ مَحْدُودٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ طَالَ، أَوْ) لَمْ يَطُلْ لَكِنَّهُ (خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ) بَعْدَ سَلَامِهِ (بَطَلَ السُّجُودُ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَعَهُ إِنْ كَانَ عَلَى ثَلَاثِ سُنَنٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ (فَلَا تَبْطُلُ. وَمَنْ نَسِيَ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ، سَجَدَهُ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ).

        ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَسْجُدُ لَهُ الْمُصَلِّي وَمَا لَا يَسْجُدُ لَهُ، فَقَالَ: (وَمَنْ نَقَصَ فَرِيضَةً فَلَا يُجْزِيهِ السُّجُودُ عَنْهَا، وَمَنْ نَقَصَ الْفَضَائِلَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ إِلَّا لِتَرْكِ السُّنَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ الْوَاحِدَةُ فَلَا سُجُودَ لَهَا، إِلَّا السِّرَّ وَالْجَهْرَ) وَقَالَ الزَّرْقَانِي: "يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ".

        قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "وَالسُّنَنُ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا ثَمَانِيَةٌ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

سِينَانِ شِينَانِ كَذَا جِيمَانِ # تَاءَانِ .............

فَسِينَانِ: السُّورَةُ وَالسِّرُّ فِي مَحَلِّهِ، وَسِينَانِ: التَّشَهُّدَانِ، وَجِيمَانِ: الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ وَالْجَهْرِ فِي مَحَلِّهِ، وَتَاءَانِ: تَكْبِيرَتَانِ أَوْ تَسْمِيعَتَانِ أَوْ تَكْبِيرَةٌ وَتَسْمِيعَةٌ.

ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَقَالَ: (فَمَنْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ* وَمَنْ جَهَرَ فِي السِّرِّ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) ثَلَاثَ آيَاتٍ فَمَا فَوْقَهَا، دُونَ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ. (*وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ*) قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: وَأَمَّا إِنْ تَكَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ. وَمَفْهُومُ سَاهِيًا، وَأَمَّا إِنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا. (وَمَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا سَجَدَ بعْدَ السَّلَامِ* وَمَنْ زَادَ فِي الصَّلاَةِ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) مَا عَدَا الصُّبْحَ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ (*وَمَنْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ مِثْلَهَا بَطَلَتْ).

(*وَمَنْ شَكَّ فِي كَمَالِ صَلاَتِهِ أَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ* وَالشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ* فَمَنْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ أَتَى بِهَا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ* وَإِنْ شَكَّ فِي السَّلَامِ سَلَّمَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ*) قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ:"إِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَلَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ الْقِبْلَةِ. فَإِنِ انْحَرَفَ عَنْهَا، فَإِنَّ كَانَ انْحِرَافُهُ عَنْهَا يَسِيرًا اسْتَقْبَلَهَا وَسَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا اسْتَقْبَلَهَا وَسَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنِ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ فَارَقَ مَكَانَهُ أَوْ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا، أَحْرَمَ جَالِسًا وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ طَالَ جِدَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ".

(وَالْمُوَسْوِسُ) وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ بِأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ. كَذَا قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ. وَحُكْمُهُ: (يَتْرُكُ الْوَسْوَسَةَ مِنْ قَلْبِهِ وَلَا يَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ وَلَكِنْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ ، سَوَاءٌ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ*)

(وَمَنْ جَهَرَ فِي الْقُنُوتِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ عَمْدُهُ* وَمَنْ زَادَ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ* وَمَنْ سَمِعَ ذِكْرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا، أَوْ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا* وَمَنْ قَرَأَ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ إِلَى سُورَةٍ، أَوْ رَكَعَ قَبْلَ تَمَامِ السُّورَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ* وَمَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ).

(*وَمَنْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ* فَمَنْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ بَعْدَ انْحِنَائِهِ لِلرُّكُوعِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا*) وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ (وَمَنْ تَذَكَّرَ السِّرَّ) فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ (أَوِ الْجَهْرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ) فِيَما يُجْهَرُ فِيهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ (أَعَادَ الْقِرَاءَةَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السُّورَةِ وَحْدَهَا أَعَادَهَا وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ أَعَادَهَا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ فَاتَ بِالرُّكُوعِ ) فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا (سَجَدَ لِتَرْكِ الْجَهْرِ قَبْلَ السَّلَامِ)، (وَ) الثَّانِيَةُ: سَجَدَ (لِتَرْكِ السِّرِّ بَعْدَ السَّلَامِ. سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَوِ السُّورَةِ وَحْدَهَا)

(*وَمَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا*) قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلْبَةً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: "وَإِنْ كَانَ مَعَ إِمَامٍ تَمَادَى وَأَعَادَ" أَيْ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ وُجُوبًا. وَمَحَل التَّمَادِي: إِنْ قَهْقَهَ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَلَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ جُمُعَةً، وَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَمَادِيهِ ضَحِكُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، وَإِلَّا قَطَعَ فِي الْجَمِيعِ. كَمَا بَيَّنَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ. (وَلَا يَضْحَكُ فِي صَلَاتِهِ إِلَّا غَافِلٌ مُتَلَاعِبٌ. وَالْمُؤْمِنُ إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ أَعْرَضَ بِقَلْبِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، حَتَّى يَحْضُرَ بِقَلْبِهِ جَلَالَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَيَرْتَعِدَ قَلْبَهُ وَتَرْهَبَ نَفْسُهُ مِنْ هَيْبَةِ اللَّهِ جل جلاله. فَهَذِهِ صَلَاةُ الْمُتَّقِينَ* وَلَا شَيْءَ فِي التَّبَسُّمِ*) قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "الْيَسِيرُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، لَكِنْ عَمْدُهُ مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ وَلَوْ سَهْوًا. وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاُة بِعَمْدِهِ.ِ وَالتَّبَسُّمُ هُوَ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ" (وَبُكَاءُ الْخَاشِعِ فِي الصَّلَاِة مُغْتَفَرٌ* وَمَنْ أَنْصَتَ لِمُتَحَدِّثٍ قَلِيلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

(*وَمَنْ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُلُوسِ) فَحُكْمُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، (فَ) أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ رَجَعَ إِلَى الْجُلُوسِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ" (وَ) أَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: (إِنْ فَارَقَهَا تَمَادَى وَلَمْ يَرْجِعْ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَبَعْدَ الْقِيَامِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ*) وَ قَالَ السَّيِّدُ عُثْمَانُ: "مَا لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ وَإِلَّا بَطَلَتْ"

(وَمَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ* وَمَنْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَشْتَغِلْ بِالْحَمْدِ) أَيْ لَا يَقُولُهَا لِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَهَمُّ. وَقَالَ خَلِيلُ: وَنُدِبَ تَرْكُهُ. (وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ شَمَّتَهُ، وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا. فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ) عِنْدَ الْعَطَاسِ بَعْدَ الْمَنْعِ (فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ) لِكَوْنِ 'الْحَمْدُ لِلَّهِ' مِنَ الْقُرْءَانِ (وَمَنْ تَثَائَبَ فِي الصَّلَاةِ سَدَّ فَاهُ* وَلَا يَنْفُثُ إِلَّا فِي ثَوْبِهِ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ حُرُوفٍ* وَمَنْ شَكَّ فِي حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ فَتَفَكَّرَ فِي صَلَاتِهِ قَلِيلًا ثُمَّ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ* وَمَنِ الْتَفَتَ فِي الصَّلَاِة سَاهِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ قَطَعَ الصَّلَاةَ* وَمَنْ صَلَّى بِحَرِيرٍ أَوْ ذَهَبٍ) لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ لِلرِّجَالِ (أَوْ سَرَقَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نَظَرَ مُحَرَّمًا) مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَوْرَاتِ (فَهُوَ عَاصٍ وَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ)

(*وَمَنْ غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ الْقُرْءَانِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ كاَنَتْ مِنَ الْقُرْءَانِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اللَّفْظُ أَوْ يَفْسُدَ الْمَعْنَى، فَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلاَم*ِ وَمَنْ نَعَسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ثَقُلَ نَوْمُهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ* وَأَنِينُ الْمَرِيضِ مُغْتَفَرٌ*  وَالتَّنَحْنُحُ لِلضَّرُورَةِ مُغْتَفَرٌ وَلِلْإِفْهَامِ مُنْكَرٌ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ* وَمَنْ نَادَاهُ أَحَدٌ) وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (فَقَالَ لَهُ سُبْحَانَ اللهِ، كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ* وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَفْتَحْ عَلَيْهِ أَحَدٌ تَرَكَ تِلْكَ الْآيَةَ وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ رَكَعَ. وَلَا يَنْظُرُ مُصْحَفًا بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفَاتِحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِهَا بِمُصْحَفٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَوَرَقَةٍ (فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا آيَةً سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ* وَمَنْ فَتَحَ عَلَى غَيْرِ إِمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ* وَلَا يَفْتَحُ عَلَى إِمَامِهِ إِلَّا أَنْ يَنْتَظِرَ الْفَتْحَ أَوْ يَفْسُدَ الْمَعْنَى* وَمَنْ جَالَ فِكْرُهُ قَلِيلًا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا نَقَصَ ثَوَابُهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ* وَمَنْ دَفَعَ الْمَاشِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ سَجَدَ عَلَى شَقِّ جَبْهَتِهِ أَوْ سَجَدَ عَلَى طَيَّةٍ أَوْ طَيَّتَيْنِ مِنْ عِمَامَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ* وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَلَبَةِ الْقَيْءِ وَالْقَلَسِ فِي الصَّلَاةِ)

(*وَسَهْوُ الْمَأْمُومِ يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصِ الْفَرِيضَةِ* وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ أَوْ نَعَسَ أَوْ زُوحِمَ عَنِ الرُّكُوعِ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْأُولَى) قَدْ يَطْمَعُ فِي إِدْرَاكِ الْإِمَامِ وَقْد لَا يَطْمَعُ، (فَإِنْ طَمِعَ فِي إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّاِنيَةِ، رَكَعَ وَلَحِقَهُ. وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَتِبَع إِمَامَهُ، وَقَضَى رَكْعَةً فِي مَوْضِعِهَا بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ) وَلَا سُجُوَد عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي الرُّكُوعِ فَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ ، كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِنْ سَهَا عَنِ السُّجُودِ أَوْ زُوحِمَ أَوْ نَعَسَ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ إِلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى، سَجَدَ إِنْ طَمِعَ فِي إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ عَقْدِ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَتَبِعَ الْإِمَامَ وَقَضَى رَكْعَةً أُخْرَى أَيْضًا. وَحَيْثُمَا قَضَى الرَّكْعَةَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ) فَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِشَكِّهِ.

(*وَمَنْ جَائَتْهُ عَقْرَبٌ أَوْ حَيَّةٌ فَقَتَلَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَطُولَ فِعْلُهُ) لِأَنَّ تَرْكَ الْأفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (أَوْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ) لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاِة أَيْضًا (*وَمَنْ شَكَّ هَلْ هُوَ فِي الْوِتْرِ أَوْ فِي ثَانِيَةِ الشَّفْعِ، جَعَلَهَا ثَانِيَةَ الشَّفْعِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ أَوْتَرَ) بَعْدَ ذَلِكَ (*وَمَنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ سَاهِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ).

(*وَالْمَسْبُوقُ إِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ؛ لَا قَبْلِيًّا وَلَا بَعْدِيًّا. فَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْجَمَاعَةَ (*وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً كَامِلَةً أَوْ أَكْثَرَ سَجَدَ مَعَهُ الْقَبْلِيَّ ، وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَيَسْجُدُ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ* وَإِذَا سَهَا الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ كَالْمُصَلِّي وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ سِجْنِ الْإِمَامِ فَلَا يَحْمِلُهُ شَيْئًا. فَيَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ فِي النُّقْصَانِ وَالْبَعْدِيَّ فِي الزِّيَادَةِ. (وَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْمَسْبُوقِ بَعْدِيٌّ مِنْ جِهَةِ إِمَامِهِ وَقَبْلِيٌّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ) وَمِثَالُهُ: أَنْتَ تُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَجَلَسَ الْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ، فَيَسْجُدَ الْبَعْدِيَّ. فَأَنْتَ تُؤَخِّرُ سُجُودَكَ حَتَّى تُتِمَّ صَلَاتَكَ، وَقَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ نَسِيتَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا ، فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْكَ سُجُودُ الْقَبْلِيِّ. مَاذَا تَفْعَلُ؟ فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: (أَجْزَأَهُ الْقَبْلِيُّ).

(*وَمَنْ نَسِيَ الرُّكُوعَ وَتَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ، رَجَعَ قَائِمًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ شَيْئًا مِنَ الْقَرَاءَةِ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ* وَمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَتَذَكَّرَهَا بَعْدَ قِيَامِهِ، رَجَعَ جَالِسًا) لَا سَاجِدًا (وَسَجَدَهَا) بَعْدَ الْجُلُوسِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ الْقِيَامِ، فَلَا يُعِيدُ الْجُلُوسَ) حِينَئِذٍ، بَلْ يَسْجُدُ مُبَاشَرَةً (وَمَنْ نَسِيَ سَجْدَتَيْنِ) بِأَنْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ (خَرَّ سِاجِدًا وَلَمْ يَجْلِسْ) لِأَنَّهُ لَا جُلُوسَ قَبْلَ السُّجُودِ (وَيَسْجُدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ) يَعْنِي مَنْ نَسِيَ الرُّكُوعَ أَوْ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ (وَإِنْ تَذَكَّرَ السُّجُودَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ) سَوَاءٌ كَاَنْتْ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ (وَلَمْ يَرْجِعْ وَأَلْغَى رَكْعَةَ السَّهْوِ وَزَادَ رَكْعَةً فِي مَوْضِعِهَا بَانِيًا، وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَاِم إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأُولَيَيْنِ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ عَقْدِ الثَّالِثَةِ) لِعَدَمِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِيرُ ثَانِيَةً لَهُ وَيَتَشَهَّدُ لِقَوْلِهِ 'بَانِيًا' . (وَ) يَسْجُدُ (بَعْدَ السَّلَامِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْأُولَيَيْنِ أَوْ كَانَتْ مِنْهُمَا وَتَذَكَّرَ قَبْلَ عَقْدِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ السُّورَةَ وَالْجُلُوسَ لَمْ يَفُوتَا*) فَيَزِيدُ السُّورَةَ وَيَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ. (وَمَنْ سَلَّمَ شَاكًّا فِي كَمَالِ صَلاَتِهِ  ) عَامِدًا (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ*) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محمدٍ: وَإِنْ بَانَ الْكَمَالُ.

(*وَالسَّهْوُ فِي صَلَاةِ الْقَضَاِء كَالسَّهْوِ فِي صَلَاِة الْأَدَاءِ* وَالسَّهْوُ فِي النَّافِلَةِ كَالسَّهْوِ فِي الْفَرِيضَةِ إِلَّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ:

١- الْفَاتِحَةِ            ٢- وَالسُّورَةِ          ٣- وَالسِّرِّ     ٤- وَالْجَهْرِ    ٥- وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ

٦- وَنِسْيَانِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ إِنْ طَالَ.

فَمَنْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي النَّافِلَةِ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ الرُّكُوعِ تَمَادَى وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يُلْغِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَزِيدُ أُخْرَى، وَيَتَمَادَى وَيَكُونُ سُجُودُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي تَارِكِ السُّجُودِ* وَمَنْ نَسِيَ السُّورَةَ أَوِ الْجَهْرَ أَوِ السِّرَّ فِي النَّافِلَةِ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ الرُّكُوعِ تَمَادَى وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ* وَمَنْ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ فِي النَّافِلَةِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ عَقْدِ الرَّابِعَةِ رَجَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ عَقَدَ الثَّالِثَةَ تَمَادَى وَزَادَ الرَّابِعَةَ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ* وَمَنْ نَسِيَ رُكْنًا مِنَ النَّافِلَةِ كَالرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى سَلَّمَ وَطَالَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا أَبَدًا)

ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِذِكْرِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ: (*وَمَنْ قَطَعَ النَّافِلَةَ عَامِدًا أَوْ تَرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً عَامِدًا أَعَادَهَا أَبَدًا* وَمَنْ تَنَهَّدَ فِي صَلَاتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنْطِقَ بِحُرُوفٍ) وَالتَّنَهُّدُ: نَفَسٌ مَمْدُودٌ أِوْ مَعَ تَوَجُّعٍ. (*وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ بِنَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ* وَإِذَا قَامَ إِمَامُكَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَبِّحْ بِهِ، فَإِنْ فَارَقَ الْأَرْضَ فَاتْبِعْهُ) فَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَكَ (*وَإِنْ جَلَسَ) الْإِمَامُ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى أَوِ الثَّالِثَةِ فَقُمْ وَلَا تَجْلِسْ مَعَهُ) وَسَبِّحْ بِهِ لِيَتَذَكَّرَ. (*وَإِنْ سَجَدَ) الْإِمَامُ (وَاحِدَةً وَتَرَكَ الثَّانِيَةَ فَسَبِّحْ بِهِ وَلَا تَقُمْ مَعَهُ) لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرَ (إِلَّا أَنْ تَخَافَ عَقْدَ رُكُوعِهِ فَاتْبِعْهُ، وَلَا تَجْلِسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ لَا فِي ثَانِيَةٍ وَلَا فِي رَابِعَةٍ) لِأَنَّهُ جَلَسَ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ الْجُلُوسُ (فَإِذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ (فَزِدْ رَكْعَةً أُخْرَى بَدَلًا مِنَ الرَّكْعَةَ الّتِي أَلْغَيْتَهَا بَانِيًا وَتَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ) لِنَقْصِ جَلْسَةِ الْوُسْطَى (فَإِنْ كُنْتُمْ جَمَاعَةً فَالْأَفْضَلُ لَكُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا وَاحِدًا يُتِمُّ بِكُمْ* وَإِذَا زَادَ الْإِمَامُ سَجْدَةً ثَالِثَةً فَسَبِّحْ بِهِ وَلَا تَسْجُدْ مَعَهُ*) وَإِنْ سَجَدتَّ بَطَلَتْ صَلَاتُكَ (وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ إِلَى خَامِسَةٍ تَبِعَهُ مَنْ تَيَقَّنَ مُوجِبَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ وَجَلَسَ مَنْ تَيَقَّنَ زِيَادَتَهَا) يَعْنِي إِذَا سَهَا الْإِمَامُ بِزَيَادَةِ رَكْعَةٍ، فَالْمَأْمُومُ عَلَى ثَلَاثةِ فُرُوعٍ:

١- مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ       ٢- وِمَنْ تَرَدَّدَ فِيهَا     ٣- وَمَنْ تَيَقَّنَ زِيَادَتَهَا

فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَتْبَعَانِهِ، وَالثَّالِثُ يَجْلِسُ، وَيُسَبِّحُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْقَهْ كَلَّمَهُ. (فَإِنْ جَلَسَ الْأَوَّلُ) وَالثَّانِي بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا (وَ) كَذَلِكَ إِنْ (قَامَ الثَّانِي) وَهُوَ الثَّالِثُ فِي الشَّرْحِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ*) لِأَنَّهُ مُوقِنٌ بِالزِّيَادَةِ، وَالزِّيَادَةُ عَمْدًا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ (وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ كَمَالِ الصَّلَاةِ سَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ) الْإِمَامُ قَامَ وَ(كَمَّلَ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَإِنْ شَكَّ فِي خَبَرِهِ سَأَلَ عَدْلَيْنِ وَجَازَ لَهُمَا الْكَلاَمُ) الْيَسِيرُ (فِي ذَلِكَ* وَإِنْ تَيَقَّنَ الْكَمَالَ عَمِلَ عَلَى يَقِينِهِ وَتَرَكَ الْعَدْلَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكْثُرَ النَّاسُ خَلْفَهُ فَيَتْرُكَ يَقِينَهُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمُ) وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ كَمَا أَشَارُوا.

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَالْجَاهِلُ اخْتُلِفَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ هَلْ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي أَوِ الْعَامِدِ.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والصلاة والسلام على خير البرية وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

١ـ القرآن الكريم، الرسم العثماني

٢ـ الإمام السيوطي، تنوير الحوالك، دار ابن الهيثم القاهرة، ٢٠٠٩م

٣ـ ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر ٢٠١٤م

٤ـ ابن جزي، أبو القاسم محمد بن أحمد، القوانين الفقهية، دار الفكر ٢٠٠٩م

٥ـ الرحموني، السيد عثمان بن عمر، معين التلاميذ على قراءة الرسالة، دار الفكر ٢٠١٣م

٦ـ الزكزكي، الحاج يهوذا بن سعد، فتح الجواد في شرح الإرشاد، ٢٠٠٩م بلا مطبعة

٧ـ العلامة الشيخ خليل بن إسحاق، مختصر، الطبعة الأولى ٢٠٠٦م .

٨ـ العسكري العلامة شهاب الدين بن عبد الرحمن، الإرشاد

٩ـ الدردير، أحمد بن محمد، أقرب المسالك، دار الفكر، بلا تاريخ

١٠ـ الإمام الشاذلي، أبو الحسن عليّ المالكي، المقدمة العزية، شركة القدس ٢٠٠٧م

١١ـ أمير المؤمنين، محمد بلّو بن الشيخ عثمان بن فودي، إنفاق الميسور بلا مطبعة ولا تاريخ

١٢ـ الباجوري، الإمام إبراهيم، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد، شركة القدس ط٢، ٢٠١١م

١٣ـ أمير المؤمنين، محمد بلّو بن الشيخ عثمان، جلاء الصمم. بلا مطبعة ولا تاريخ

١٤ـ عبد الوهاب الخلاّف،  علم أصول الفقه، دار الهيثم القاهرة ٢٠٠٩م

١٥ـ الإمام أبو الليث، نصر بن محمد بن أحمد، تنبيه الغافلين، دار الفكر لبنان ٢٠١٤م

١٦ـ الفوتي، الحاج سعد بن عمر، حل المسائل، مكتبة الحاج شريف بلا ٢٠٠٩م

١٧ـ ابن فودي، الشيخ عثمان بن محمد،  نصيحة أهل الزمان، بلا مطبعة ولا تاريخ

١٩ـ القيرواني، ابن أبي زيد، متن الرسالة، شركة القدس

٢٠ـ الآبي الأزهري، صالح عبد السميع، جواهر المضية بشرح العزية، شركة القدس ٢٠٠٧م

٢١ـ الزرقاني، عبد الباقي ، شرح العزية

٢٢ـ الآبي الأزهري، صالح عبد السميع، هداية المتعبد السالك، شرح الأخضري، دار حياء كتب العربية، بلا تاريخ

٢٣ـ المعجم الوسيط، الطبعة الثانية.


Comments

Popular posts from this blog

📘 Sufism in Islam and Its Contributions to the Muslim World

  Part 5: Global Impact & Conclusion 🔹 12. Contemporary Sufism and Global Influence 🌐 Digital Revival: Sufi teachings spread via online zawiyas, YouTube, and apps. Institutions like Zaytuna College and Cambridge Muslim College promote classical spirituality for the modern age.

Falalar Faɗin “Subhanallah” Kullum

 Falalar Faɗin “Subhanallah” Kullum Da Sunan Allah, May Rahama, May Jin ƙai Gabatarwa Say “Subhanallah” when you read the Musulman. Wannan kalma na nufin girmama da tsarkake Allah daga duk wani nakasu. Yayin da Musulmi ya faɗi Subhanallah, we have no amincewarsa da cewa Allah cikakke ne a dukkan siffofinsa da ayyukansa. Wannan takaitaccen bayani yana bayyana dalilai na addini, hadisan Manzon Allah, peace be upon him, da ayoyin Alƙur'ani da ke nuna muhimmancin faɗin “Subhanallah” in the kullum.

The Benefits of Reciting the Qur’an Daily

 The Benefits of Reciting the Qur’an Daily Introduction Reciting the Qur’an daily is more than a routine; it's a spiritual connection with Allah. It strengthens faith, offers guidance, brings peace to the heart, and improves understanding of Islam. Each letter recited earns boundless rewards.